للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثانيًا: بالنسبة لمنازعات المسلمين خارج دولة الإسلام، فإن أغلب دول العالم تسمح حاليًا بقيام التحكيم في مثلها، فإذا تنبه المسلمون إلى الاستفادة من ذلك، فإنهم قد يتجنبون مغبة تطبيق القانون الوطني عليهم فيما يتعارض مع أحكام الشريعة الغراء، كالإلزام بنتائج الأخذ بنظام التبني، أو بعض القواعد المتصلة بالزواج والطلاق التي تخالف شرع الله.

وليس في الأمر صعوبة تستعصي، فأغلب بلاد العالم لا يتطلب سوى احترام النظام العام – في بلدها – والتقيد بالنسبة للتحكيم ببعض الشروط، كاشتراط الكتابة للانعقاد أو للإثبات، وضرورة اعتماد شرط التحكيم أو مشارطته، ووجوب أن يكون الموضوع هو ما يجوز فيه الصلح، وألا يكون مما احتجره القانون الوطني ليحكم فيه القضاء الرسمي دون غيره، ونحو ذلك من الشروط التي تسمح مرونة الشريعة بكثير منها.

فإذا كانت الدول من تلك الأنظمة العنصرية التي لا تقبل اشتراط أن يكون المحتكم إليه مسلمًا، فيمكن – مثلًا – الاستغناء عن النص على ذلك في النظام الأساسي للمؤسسة التحكيمية التي تنشأ، بالاكتفاء بمراعاة أن لا تحوي قائمة المحكمين إلا من هو عالم بالفقه الإسلامي، فإذا اضطر القائمون على هذه المؤسسة إلى عدم التقيد بذلك، فإن في استطاعة المحتكمين – وهم مسلمون – أن يختاروا من يصلح لتطبيق دينهم من أفراد القائمة التي تحوي مسلمين وغير مسلمين، كما أنه قد يكون في اختيار نظام (التحكيم بالصلح) مهرب في البلاد التي تحقد على المسلمين وعلى شريعتهم، وتأبى أن ينص في النظام الأساسي لمؤسسة التحكيم الخاصة بهم على وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية دون غيرها، فإذا ضاقت الأمور أكثر، فقد يتاح للمسلمين الالتجاء إلى نظام التحكيم الحر، واختيار بلد إسلامي يسمح النظام المطبق فيه باعتماد التحكيم الأجنبي الذي يجري على غير إقليمه، وقد يساعد في ذلك أن أغلب الدول الإسلامية قد صادقت على الاتفاقيات والمواثيق الدولية الخاصة بالتحكيم الأجنبي، ومنها اتفاقية الاعتراف بأحكام المحكمين الأجنبية وتنفيذها التي أقرتها الأمم المتحدة في سنة ١٩٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>