للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- احتكام المسلم إلى محاكم غير إسلامية

احتكام المسلم إلى محاكم غير إسلامية – في الوقت الراهن – من الأمور التي عمت بها البلوى، فأغلب البلاد الإسلامية واقعة تحت تأثير خارجي شرس يمنعها من تطبيق الشريعة الإسلامية، فالقضاة الذين يحكمون على المسلمين منهم المسلم وغير المسلم، والقانون الذي يحكم به على المسلمين خليط من قواعد إسلامية وغير إسلامية، وهذه الدول الإسلامية ترتبط بمواثيق ومعاهدات دولية، وتسري عليها أحكام ومبادئ القانون الدولي وقرارات المنظمات الدولية. وتقدر بعض المصادر الإسلامية عدد المسلمين الذين يعيشون في دول غير إسلامية – سواء كانوا ينتمون بجنسيتهم إلى تلك الدول أو إلى دول أخرى أو كانوا من رعايا الدول الإسلامية – بنحو ٢٣٠ مليون مسلم، ويعتقد بعض الباحثين أن هذا العدد قد يصل إلى حوالي ثلث مليار نسمة (١) .

وإزاء هذا الوضع، لا يسهل الأخذ بالحلول التقليدية التي وضعها الفقهاء إبان وحدة العالم الإسلامي وعزته، من نحو وجوب الهجرة على من يقدر عليها، وإقامة الحدود أو التعامل بالربا في دار الحرب ... ونحو ذلك (٢) . وإنما ينبغي مساندة الهيئات والمنظمات الإسلامية والإنسانية التي تهتم بأوضاع الشعوب الإسلامية التي لم تستقل بعد، والتي تعمل على تمتع الأقليات المسلمة بحقوقها السياسية والدينية الاجتماعية، وقد نص الشافعية على أن: من يقدر على إظهار دينه في دار الحرب، ويقدر على الاعتزال في مكان خاص، والامتناع من الكفار، فهذا تحرم عليه الهجرة؛ لأن مكان اعتزاله صار دار إسلام بامتناعه، فيعود بهجرته إلى حوزة الكفار، وهو أمر لا يجوز (٣) .

إذا تقرر ذلك، فإن احتكام المسلم إلى محاكم غير إسلامية يدخل في باب الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، وحينئذ يرخص للمسلم في الاحتكام إلى محاكم غير إسلامية، باعتباره نوعًا من التحكيم الفاسد، الذي ينفذ لموافقة الحكم قواعد القانون الطبيعي، ومبادئ العدالة (٤) .

التحكيم في قضايا الأحوال الشخصية

للمسلمين في غير البلاد الإسلامية

والحديث موصول بالمسألة السابقة، ولكن خصوصية قضايا الأحوال الشخصية للمسلمين تتطلب وقفة متأنية، ذلك أن أحكام الزواج والطلاق والنسب والمحرمات من النساء، وعدة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها وتوزيع التركات ونحو ذلك، قد ثبتت بنصوص من الكتاب والسنة، ومجال اجتهاد الفقهاء فيها محدود، فهي أقرب اتصالًا بالعقيدة، والفصل فيما ينشأ عنها من نزاع يقتضي الكثير من الخشية والاحتياط.


(١) عبد الله الأشعل، أصول التنظيم الإسلامي الدولي، القاهرة: ١٩٨٨، ص ٣٢٩ – ٣٣٠، والمراجع التي أشار إليها في هامش ٣
(٢) الكاساني، بدائع الصنائع: ٧ / ٣٠ – ٣١ ح الخرشي علي خليل: ٣ / ٢٢٦؛ الرملي؛ نهاية المحتاج: ٨ / ٨٢؛ المرداوي، الإنصاف: ٤ / ١٢١
(٣) الرملي، نهاية المحتاج: ٨ / ٨٢؛ النووي، روضة الطالبين: ١٠ / ٦
(٤) قرب: فتوى الشيخ محمد رشيد رضا عن مسألة الحكم بالقوانين الإنكليزية في الهند، التي أثبتها في تفسير المنار: ٦ / ٣٣٥ – ٣٣٨؛ وقد قرأت في كتاب الأغاني لأبي الفرج الاصفهاني – ط دار الكتب المصرية – ج ٨ ص ٣٠٣ بمناسبة ترجمة الشاعر النصراني (الأخطل) تحت عنوان (كان حكم بكر بن وائل) ما يلي: أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي، قال: حدثنا الخراز عن المدائني، قال: قال أبو عبد الملك: كانت بكر بن وائل إذا تشاجرت في شيء رضيت بالأخطل، وكان يدخل المسجد فيقدمون إليه. (كذلك قرأت في كتاب) مصر في العصور الوسطى من الفتح العربي إلى الفتح العثماني (لعلي إبراهيم حسن، الطبعة الثانية: ١٩٤٩ م، ص ٣٠٣، أنه: إذا حدث نزاع بين مسلم وقطبي، تقدم المتقاضون إلى مجلس مؤلف من قضاة يمثلون الفريقين المتنازعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>