للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرخصة شخصية:

إنه لا يوجد ضابط يحدد الرخصة بطريقة تطبق بها على جميع المكلفين، ذلك أنها تستند إلى المشقة، والمشاق تختلف قوة وضعفًا في ذاتها، وتبعًا للظروف التي يقع فيها العمل، وحسب الأحوال والزمان والمكان، وحسب قدرة التحمل عند الأفراد بعوامل قوة البدن وضعفه والسن ومضاء العزيمة أو وهنها.

يقول الشاطبي في السفر: " فرُبَّ رَجُلٍ جَلد ضَرَيٍّ على قطع المَهَامِهِ حتى صار ذلك عادة له لا يحرج بها , ولا يتألم بسببها , يقوى على عباداته وعلى أدائها على كمالها وفي أوقاتها، ورب رجل بخلاف ذلك، وكذلك في الصبر على الجوع والعطش. . . وإذا كان كذلك فليس للمشقة المعتبرة في التخفيفات ضابط مخصوص، ولا حد محدود يطرد في جميع الناس.

ولذا أقام الشارع في جملة منها السبب مقام العلة - يعني أقام المظنة مقام العلة - فإذن ليست أسباب الرخص بداخلة تحت قانون أصلي ولا ضابط مأخوذ باليد، بل هو إضافي بالنسبة إلى كل مخاطب في نفسه، فمن كان من المضطرين معتادًا للصبر على الجوع، لا تختل حاله بسببه كما كانت العرب، فليست إباحة الميتة له على وزان من كان بخلاف ذلك ". (١)

اختلاف الفقهاء في حكم الترخص:

بناءً على ما قدمناه فإن اختلاف الفقهاء في حكم الترخص بالفطر ليس اختلافًا حقيقيًّا، وإنما هو اختلاف في حال؛ لأن حكم الترخص بالفطر شخصي، فقد يكون أخوان مرضهما واحد وفطر أحدهما واجب والآخر راجح، وهذا ما أغناني عن تتبع الأقوال، لارتباطها بهذا الضابط الذي أراه هو الحق الذي لا محيد عنه.


(١) الموافقات: ١/ ٣١٣ - ٣١٤

<<  <  ج: ص:  >  >>