للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخامس: أن الإجماع لا يصح خرقه ولو طال العهد فحكمه سارٍ، أما العمل الفقهي فالعرف والعادة والمصلحة تتحكم فيه بشكل مباشر وقوي.

السادس: أن الإجماع يصدر عن إطباق مجتهدي عصر معين، أما العمل الفقهي فهو ما تجري به الفتوى من قبل العلماء، ولا يشترط أن يكونوا مجتهدين أو ما يكون عليه عمل الكافة مما لا يناقض دليلا شرعيا.

ب- عمل الكافة:

وهو نمط التعامل بين أفراد المجتمع مما يقتضي النظر الشرعي صدور الفتوى أو الحكم بإباحته وإلا لم يسغ بقاؤه أصلا.

ويمثله – في أحد جانبيه – في كتب فقهاء الإباضية ما يعرف بالدلالة أو التعارف الذي كان من أوائل من ألف فيه الإمام ابن بركة في كتابه (التعارف) (وهذا ما يتجلى أن الفتوى تجري على مقتضاه ما لم يخالف دليلا شرعيا) .

ويعني ما تجري به العادة بين الناس في المعاملات التي يتعارفون عليها في أمورهم الحيوية والاجتماعية، وقد أدخل فقهاء الإباضية هذه الأمور ضمن العمل الفقهي لتحاط بسياج الشرع وتضبط بضوابط الإيمان.

يدل على ذلك أن مسائل هذه الأعراف صارت أحكاما شرعية كقول الشيخ أحمد بن عبد الله الكندي:

"في الدلالة اختلاف بين الناس أجازها أكثر المسلمين، وأحسب أن بعضا يقول: لا يكون إلا على من يتولاه، والمعمول به أنها في مال الولي وغير الولي ممن يعرف منه ذلك " (١) .

ولنأخذ نصا للشيخ خميس بن سعيد الشقصي لزيادة البيان فيما يتناوله التعارف بين الناس، يقول:

"أجمع الناس على تمليك العبيد بالشراء، ممن يبيعهم بغير إقرارهم ولا صحة عبوديتهم، على أنهم قد أجمعوا: أن حكم بني آدم الحرية في الأصل، وكذلك ما يشترى من صغار العبيد بالشراء ممن يبيعهم بغير إقرارهم، فقد أجازوا التمليك عليهم، وقد علمنا أن لا يقين معنا على ذلك، ولكن قد جرى بهذا العرف بين الناس، ولا يكون في شيء مع أهل موضع، إلا حتى يكون الإجماع منهم على إباحة ذلك معهم، لأنه إنما يسمى بسنة البلد، والسنة لا تكون إلا مجتمعا عليها، وإذا كان فيها اختلاف فليس بسنة.

وإذا كانت السنة ثابتة معهم في مال الغائب واليتيم والمساجد فهو على ما أدركت عليه السنة، وإذا كان قد جرى معه أن التعارف لا يكون إلا في مال الحاضر العاقل البالغ فكذلك.

وإذا أراد أحد من أهل الأملاك منع شي قد أجمع عليه أهل البلد على إباحته فله ذلك لأن هذه سنة تراضٍ، فإذا لم يرضَ فقد خرج من حال الإجماع وصار مخصوصا بالكراهية " (٢) .

أما الجانب الثاني فهو ما يكون شأنه الأحكام الفقهية التي اصطلح عليها أو على العمل بها.

وكلا الجانبين إما أن يكونا بنيا على فتوى أو حكم، أو بنيا عليهما كما تقدم ذكره.

وينقسم العمل الفقهي من حيث تناوله للمسائل إلى قسمين:

- العمل الفقهي الجزئي: وهو المسائل المتفردة التي ينص على جريان العمل بها.

- العمل الفقهي المتكامل: وهو مجموعة المسائل المعمول بها التي تتمثل في المؤلفات المرادة للعمل الفقهي، وقد سبق التمثيل عليها.

كما ينقسم العمل من حيث بيئته إلى:

أ- ما عليه العمل عند كافة علماء المذهب الإباضي بما فيهم أهل المشرق وأهل المغرب، وذلك كعدم الضم وعدم الرفع في الصلاة.

ب- ما عليه العمل عند أهل بلد أو إقليم، وقد ظهر ذلك في صور منها:

- عمل المغاربة: ولعل أجلى صورة لذلك ما يعرف عندهم بنظام العزابة، وهو مؤسسة اجتماعية دينية، يشرف عليها مجلس أعلى يسمى مجلس العزابة أو هيئة العزابة، هدفه الحفاظ على كيان المجتمع المسلم وتنظيمه وصلاح أفراده.

وصاحب فكرة تأسيسه أبو زكريا فضيل بن أبي مسور اليهراسني (توفي في العقد الرابع من القرن الخمس الهجري) ، وذلك إثر الوقائع التي أضعفت كيان المذهب الإباضي في المغرب، طرح أبو زكريا الفكرة سنة (٤٠٨ هـ) وأوعز بتبنيها إلى تلميذه أبي عبد الله محمد بن بكر بن أبي بكر الفرسطائي النفوسي (ت ٤٤٠ هـ) ، فعكف أبو عبد الله مدة أربعة أشهر ثم خرج بهذا النظام الذي سمي بداية بالسيرة المسورية البكرية، وقد استمر العمل عليه عند المغاربة طيلة القرون السابقة، وتداعى كيانه في بداية القرن الثالث عشر الهجري، ثم توقف في جربة ونفوسة، ولا يزال باقيا إلى الآن في وادي ميزاب في الجنوب الجزائري (٣) .


(١) المصنف: ١٨ / ٢٨.
(٢) منهج الطالبين: ١٣ / ١٤١.
(٣) انظر التوسع: نظام العزابة، د. فرحات الجعبيري.

<<  <  ج: ص:  >  >>