للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحجة الثانية: أنه يقيسون جميع الشروط التي تنافي موجب العقد على اشتراط الولاء، لأن العلة فيه: كونه مخالفًا لمقتضى العقد. وذلك: لأن العقود توجب مقتضياتها بالشرع، فيعتبر تغييرها تغييرًا لما أوجبه الشرع؛ بمنزلة تغيير العبادات، وهذا نكتة القاعدة، وهي أن العقود مشروعة على وجه، فاشتراط ما يخالف مقتضياتها تغيير للمشروع.

ثم قال: واحتجوا أيضًا بحديث يروى في حكاية عن أبي حنيفة وابن أبي ليلى وشريك: " إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط " وقد ذكره جماعة من المصنفين في الفقه، ولا يوجد في شيء من دواوين الحديث. وقد أنكره أحمد وغيره من العلماء وذكروا أنه لا يعرف، وأن الأحاديث الصحيحة تعارضه، وأجمع الفقهاء المعروفون – من غير خلاف أعلمه من غيرهم – أن اشتراط صفة في المبيع ونحوه، كاشتراط كون العبد كاتبًا أو صانعًا، أو اشتراط طول الثوب أو قدر الأرض ونحو ذلك: شرط صحيح.

القول الثاني: أن الأصل في العقود والشروط: الجواز والصحة، ولا يحرم منها ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله، نصًا أو قياسًا، عند من يقول به. وأصول أحمد المنصوصة عنه: أكثرها يجري على هذا القول ومالك قريب منه؛ لكن أحمد أكثر تصحيحًا للشروط. فليس في الفقهاء الأربعة أكثر تصحيحًا للشروط منه.

وعامة ما يصححه أحمد من العقود والشروط في ما يثبته بدليل خاص من أثر أو قياس، لكنه لا يجعل حجة الأولين مانعًا من الصحة، ولا يعارض ذلك بكونه شرطًا يخالف مقتضى العقد، أو لم يرد به نص , وكان قد بلغه في العقود والشروط من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ما لا تجده عند غيره من الأئمة. فقال بذلك، وبما في معناه قياسًا عليه، وما اعتمده غيره في إبطال الشروط من نص: فقد يضعفه، أو يضعف دلالته. وكذلك قد يضعف ما اعتمدوه من قياس، وقد يعتمد طائفة من أصحابه عمومات الكتاب والسنة والتي سنذكرها في تصحيح الشروط: كمسألة الخيار أكثر من ثلاث مطلقًا، فمالك يجوزه بقدر الحاجة، وأحمد في إحدى الروايتين عنه يجوز شرط الخيار في النكاح أيضًا. ويجوز أحمد استثناء بعض منفعة الخارج من ملكه في جميع العقود، واشتراط قدر زائد على مقتضاها عند الإطلاق. فإذا كان لها مقتضى عند الإطلاق جوز الزيادة عليه بالشرط، والنقص منه بالشرط؛ ما لم يتضمن مخالفة الشرع، فيجوز للبائع أن يستثنى بعض منفعة المبيع، كخدمة العبد وسكنى الدار ونحو ذلك، إذا كانت تلك المنفعة مما يجوز استبقاؤها في ملك الغير، إتباعًا لحديث جابر لما باع النبي صلى الله عليه وسلم جمله، واستثنى ظهره إلى المدينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>