للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأي ابن يتيمة:

بعد أن نقلت ما بينه شيخ الإسلام من آراء الإمام أحمد وأصحابه أنقل هنا ما ذكره مبينًا به رأيه، حيث قال: (١) .

من قال: هذا الشرط ينافي مقتضى العقد، قيل له: أينافي مقتضى العقد المطلق، أو مقتضى العقد مطلقًا؟ فإن أراد الأول: فكل شرط كذلك. وإن أراد الثاني: لم يسلم له؛ وإنما المحذور: أن ينافي مقصود العقد، كاشتراط الطلاق في النكاح، أو اشتراط الفسخ في العقد، فأما إذا شرط ما يقصد بالعقد لم يناف مقصوده. هذا القول هو الصحيح: بدلالة الكتاب، والسنة، والإجماع، والاعتبار، مع الاستصحاب، وعدم الدليل المنافي.

وأفاض ابن تيمية في ذكر الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة، التي تؤيد رأيه، ثم قال:

فقد جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود والشروط والمواثيق والعقود، وبأداء الأمانة ورعاية ذلك، والنهي عن الغدر ونقض العهود والخيانة، والتشديد على من يفعل ذلك.

وإذا كان جنس الوفاء ورعاية العهد مأمورًا به: علم أن الأصل صحة العقود والشروط؛ إذ لا معنى للتصحيح إلا ما ترتب عليه أثره، وحصل به مقصوده. ومقصود العقد: هو الوفاء به. فإذا كان الشارع قد أمر بمقصود العهود، دل على أن الأصل فيها الصحة والإباحة.

وقد روى أبو داود والدارقطني من حديث سليمان بن بلال، حدثنا كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحًا أحل حرامًا أو حرم حلالاً، والمسلمون على شروطهم)) . وكثير بن زيد قال يحيى بن معين في رواية: هو ثقة. وضعفه في رواية أخرى.

وقد روى الترمذي والبزار من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا حرم حلالًا، أو أحل حرامًا، والمسلمون على شروطهم إلا شرطًا حرم حلالًا أو أحل حرامًا)) قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وروى ابن ماجة منه اللفظ الأول؛ لكن كثير بن عمرو ضعفه الجماعة. وضرب أحمد على حديثه في المسند، فلم يحدث به، فلعل تصحيح الترمذي له لروايته من وجوه. وقد روى أبو بكر البزار أيضًا عن محمد بن عبد الرحيم بن السلماني، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الناس على شروطهم ما وافقت الحق)) وهذه الأسانيد – وإن كان الواحد منها ضعيفًا – فاجتماعها من طرق يشد بعضها بعضًا.


(١) المنقول هنا في الصفحات من ١٣٨ إلى ١٥٦، وحذفت الكثير كما أشرت من قبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>