للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا المعنى هو الذي يشهد له الكتاب والسنة، وهو حقيقة المذهب، فإن المشترط ليس له أن يبيح ما حرمه الله، ولا يحرم ما أباحه الله. فإن شرطه حينئذ يكون مبطلًا لحكم الله. وكذلك ليس له أن يسقط ما أوجبه الله؛ وإنما المشترط له أن يوجب بالشرط ما لم يكن واجبًا بدونه. فمقصود الشروط وجوب ما لم يكن واجبًا ولا حرامًا، وعدم الإيجاب ليس نفيًّا للإيجاب، حتى يكون المشترط مناقضًا للشرع، وكل شرط صحيح فلابد أن يفيد وجوب ما لم يكن واجبًا، فإن المتبايعين يجب لكل منهما على الآخر من الإقباض ما لم يكن واجبًا، ويباح أيضًا لكل منهما ما لم يكن مباحًا، ويحرم على كل منهما ما لم يكن حرامًا وكذلك كل من المتآجرين والمتناكحين، وكذلك إذا اشترط صفة في المبيع، أو رهنًا، أو اشترطت المرأة زيادة على مهر مثلها؛ فإنه يجب، ويحرم ويباح بهذا الشرط ما لم يكن كذلك.

وهذا المعنى هو الذي أوهم من اعتقد أن الأصول فساد الشروط، قال: لأنه إما أن تبيح حرامًا، أو تحرم حلالا؛ أو توجب ساقطًا، أو تسقط واجبًا، وذلك لا يجوز إلا بإذن الشارع، وقد وردت شبهة عند بعض الناس حتى توهم أن هذا الحديث متناقض، وليس كذلك، بل كل ما كان حرامًا بدون الشرط، فالشرط لا يبيحه، كالربا.

وأما ما كان مباحًا بدون الشرط، فالشرط يوجبه، كالزيادة في السعر والثمن والمثمن والرهن، وتأخير الاستيفاء، فإن الرجل له أن يعطي المرأة، وله أن يتبرع بالرهن وبالإنظار، ونحو ذلك فإذا شرطه صار واجبًا.

وأما ما أباحه الله في حال مخصوصة ولم يبحه مطلقًا، فإذا حوله الشرط عن تلك الحال لم يكن الشرط قد حرم ما أحله الله، وكذلك ما حرمه الله في حال مخصوصة، ولم يحرمه مطلقًا،: لم يكن الشرط قد أباح ما حرمه الله، إن كان بدون الشرط يستصحب حكم الإباحة والتحريم؛ ولكن فرق بين ثبوت الإباحة والتحريم بالخطاب، وبين ثبوته بمجرد الاستصحاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>