للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالعقد والشرط يرفع موجب الاستصحاب، لكن لا يرفع ما أوجبه كلام الشارع، وآثار الصحابة توافق ذلك، كما قال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط.

وأما الاعتبار فمن وجوه:

أحدهما: أن العقود والشروط من باب الأفعال العادية. والأصل فيها عدم التحريم، فيستصحب عدم التحريم فيها حتى يدل دليل على التحريم. كما أن الأعيان: الأصل فيها عدم التحريم. وقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١١٩] عام في الأعيان والأفعال؛ وإذا لم تكن حرامًا لم تكن فاسدة، لأن الفساد إنما ينشأ من التحريم، وإذا لم تكن فاسدة كانت صحيحة.

وأيضًا فليس في الشرع ما يدل على تحريم جنس العقود والشروط، إلا ما ثبت حله بعينه، وسنبين إن شاء الله معنى حديث عائشة، وإن انتفاء دليل التحريم دليل على عدم التحريم، فثبت بالاستصحاب العقلي وانتفاء الدليل الشرعي عدم التحريم، فيكون فعلها إما حلالا وإما عفوًا؛ كالأعيان التي لم تحرم.

وغالب ما يستدل به على أن الأصل في الأعيان عدم التحريم من النصوص العامة والأقيسة الصحيحة، والاستصحاب العقلي، وانتفاء الحكم لانتفاء دليله، فإنه يستدل أيضًا به على عدم تحريم العقود والشروط فيه سواء سمى ذلك حلالًا أو عفوًا على الاختلاف المعروف بين أصحابنا وغيرهم، فإذا حرمنا العقود والشروط التي تجري بين الناس في معاملاتهم العادية بغير دليل شرعي، كنا محرمين ما لم يحرمه الله؛ بخلاف العقود التي تتضمن شرع دين لم يأذن به الله؛ فإن الله قد حرم أن يشرع من الدين ما لم يأذن به. فلا يشرع عبادة إلا بشرع الله، ولا حرم عادة إلا بتحريم الله، والعقود في المعاملات هي من العادات يفعلها المسلم والكافر، وإن كان فيها قربة من وجه آخر، فليست من العبادات التي يفتقر فيها إلى شرع، كالعتق والصدقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>