للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضًا فإن الأصل في العقود رضي المتعاقدين. وموجبها هو ما أوجباه على أنفسهما بالتعاقد، لأن الله قال في كتابه العزيز: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] لم يشترط في التجارة إلا التراضي، وذلك يقتضي أن التراضي هو المبيح للتجارة، وإذا كان كذلك فإذا تراضى المتعاقدان بتجارة، أو طابت نفس المتبرع بتبرع: ثبت حله بدلالة القرآن، إلا أن يتضمن ما حرمه الله ورسوله، كالتجارة في الخمر ونحو ذلك.

وأيضًا فإن العقد له حالان: حال إطلاق، وحال تقييد، ففرق بين العقد المطلق وبين المعنى المطلق من العقود، فإذا قيل: هذا شرط ينافي مقتضى العقد إن أريد به: ينافي العقد المطلق. فكذلك كل شرط زائد. وهذا لا يضره، وإن أريد ينافي مقتضى العقد المطلق والمقيد: احتاج إلى دليل على ذلك؛ وإنما يصح هذا إذا نافى مقصود العقد.

فإن العقد إذا كان له مقصود يراد في جميع صوره، وشرط فيه ما ينافي ذلك المقصود، فقد جمع بين المتناقضين: بين إثبات المقصود ونفيه، فلا يحصل شيء، ومثل هذا الشرط باطل بالإتفاق؛ بل هو مبطل للعقد عندنا.

والشروط الفاسدة قد تبطل لكونها قد تنافي مقصود الشارع، مثل اشتراط الولاء لغير المعتق؛ فإن هذا لا ينافي مقتضى العقد ولا مقصوده، فإن مقصوده الملك، والعتق قد يكون مقصودًا للعقد. فإن اشتراء العبد لعتقه يقصد كثيرًا فثبوت الولاء لا ينافي مقصود العقد، ,إنما ينافي كتاب الله وشرطه. كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق)) . فإذا كان الشرط منافيًّا لمقصود العقد كان العقد لغوًا، وإذا كان منافيًّا لمقصود الشارع كان مخالفًا لله ورسوله فأما إذا لم يشتمل على واحد منهما، فلم يكن لغوًا، ولا اشتمل على ما حرمه الله ورسوله، فلا وجه لتحريمه، بل الواجب حله؛ لأنه عمل مقصود للناس يحتاجون إليه، إذ لولا حاجتهم إليه لما فعلوه؛ فإن الإقدام على الفعل مظنة الحاجة إليه. ولم يثبت تحريمه، فيباح؛ لما في الكتاب والسنة مما يرفع الحرج.

<<  <  ج: ص:  >  >>