للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني – الاستدلال الخاص للمبيع الغائب على الصفة:

استدل الملكية لهذا النوع من البيع بالأدلة الآتية:

١- من القرآن الكريم:

عموم الحكم في قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] إذا الحل هنا يشمل البيع الحاضر عن رؤية والمبيع الغائب بالصفة دون تفرقة بينهما.

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] ، والحكم بالإباحة للتجارة عام مشروط بالتراضي بين العاقدين دون تخصيص بكونها موجودة، أو غائبة.

٢ - من السنة النبوية الشريفة:

القياس على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ((لا تبيعوا الحب في سنبله حتى يبيض في أكمامه)) (١) فإذا جاز بيع الحب في أكمامه وهو غير مرئي على صفة ما فرك عنه إن كان حاضرًا جاز أن يشتري منه إذا كان غائبًا على صفة، إذ لا فرق إذا غاب المبيع بين أن يبيعه على الصفة، أو على مثال يريه إياه (٢) .

ثالثاُ – من المعقول:

قدم القاضي عبد الوهاب البغدادي أدلة عديدة من المعقول استدلالًا على صحة المبيع الغائب على الصفة تنتظم الفقرات التالية:

أ- إذا جاز أن يسلم الرجل إلى الرجل في ثوب أو عبد على صفة، ولم يكن ذلك غررًا صح أن تقوم الصفة مقام الرؤية في غيره عند تعذرها، ونفي الغرر بها، إذ لا فرق بين الموضعين.

ب- إن بيع الغائب على الصفة معلوم للمتبايعين مقدور على تسليمه غالبًا فصح بيعه كالمرئي.

ج- البيع بالصفة أحد حالات العين فجاز بيعها معها كحال المشاهدة.

د- لو كانت الرؤية شرطًا في بيوع الأعيان لم يجز ألا يوجد في المقصود من المبيع، وأن يشترط فيما ليس بمقصود منه كالصفة في السلم.

ويوضح القاضي عبد الوهاب المقصود من هذا الاستدلال قائلًا: " ثبت أن بيع الجوز واللوز في قشرهما جائز وإن اشترى المقصود بالبيع على الرؤية فدل على أنها ليست شرطًا فيه، ولأن ما كان شرطًا في صحة عقد وجب مقارنته له، ولا يكتفي برؤيته له إذا لم يوجد في ذلك معنى العقد على التسليم، فلما اتفقا على جواز بيع العين الغائبة إذا تقدمتها الرؤية دل على أنه ليست بشرط فيه، ولأنه عقد معاوضة فلم يبطله عدم رؤية المعقود عليه كالنكاح " (٣) .


(١) ورد معنى هذا الحديث بلفظ آخر في سنن أبي داود من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى يزهو، وعن السنبل حتى يبيض ويأمن من العاهة، نهي البائع والمشتري "، باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، تعليق محيي الدين عبد الحميد، مصر: دار إحياء السنة النبوية: ٣ / ٢٥٢؛ وفي مسند الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يزهو، والحب حتى يفرك، وعن الثمار حتى تطعم "، باب النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها الساعاتي، أحمد عبد الرحمن البنا، الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، الطبعة الأولى، مصر: مطبعة الإخوان المسلمين، عام ١٣٧٠: ١٤ / ٤٣.
(٢) ابن رشد، المقدمات الممهدات: ٢ / ٧٨.
(٣) المعونة على مذهب عالم المدينة، تحقيق ودراسة حميش عبد الحق رسالة دكتوراه منسوخة على الآلة عام ١٤١٣ هـ -١٩٩٣ م، مكة المكرمة: جامعة أم القرى: ٢ / ٧٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>