للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٠- وقد نصل من كل ما تقدم إلى أن القرائن في الفقه الإسلامي، قد يستخلصها القاضي بنفسه دون معونة مباشرة من المشرع، وقد يتولى ذلك عنه الشرع فيقوم بالاستخلاص، ويجيز للخصوم أن يثبتوا- في الحالة المعروضة- عكس ما استخلصه أو يمنعهم من ذلك، وإن كان لا يحول بينهم وبين الاحتكام إلى ذمتهم بالإقرار أو اليمين.

وهذا التدرج في القرائن المشار إليه هو ذاته مبنى التقسيم الذي سارت عليه الدراسات القانونية، حتى قسمت القرائن قضائية وقرائن قانونية، ثم قسمت الأخيرة إلى قرائن بسيطة تقبل إثبات العكس وقرائن قاطعة لا تقبله.

على أن بعض رجال القانون قد نازع في وجود القرائن القانونية القاطعة بدعوى أن طبيعة القرينة كدليل، يناقض أن تتحصن ضد مقارعة الأدلة الأخرى إياها، لأنها إن فعلت ذلك خرجت من حظيرة الإثبات لتدخل في عدد القواعد الموضوعية التي تخفي وراءها العلة من تشريعها، ولا يراعى في تطبيقاتها ابتناؤها على الغالب الراجح، فهي مفروضة على المتقاضين فرضا لا فكاك لهم منه، وليست صلتها بالغالب الراجح إلا صلة تاريخية اندثرت بتقريرها، وإن أفادت هذه الصلة فقهيا في شرحها والكشف عن مبرراتها في المرحلة السابقة على تشريعها (١) .

غير أن ما يقوله هؤلاء البعض من رجال القانون في شأن القرينة القانونية القاطعة، وإن سانده تأصيل علمي نظري سليم، إلا أنه لا يلتقي مع الحاجات العملية، ولا يدع الفروق بين القرائن والقواعد الموضوعية واضحة المعالم، مما أدى إلى كثير من الخلط بينهما، ودفع فريق من شيوخ القانونيين إلى الإقامة على موقفهم من تقسيم القرائن القانونية إلى قرائن قاطعة، وقرائن غير قاطعة، ومثلوا للأولى منها- في المجال المدني- بما قالوا أنه لا يحتمل الجدل، من مثل ما نص عليه القانون المدني المصري من قرينة قانونية قاطعة على ثبوت الخطأ في المسؤولية عن حارس الحيوان، وفي المسؤولية عن الأشياء، وفي المسؤولية العقدية في الالتزام بتحقيق غاية، وفي مسؤولية المستأجر عن الحريق (المواد ١٧٦، ١٧٨، ٢١٥، ٥٨٤) (٢) .


(١) الدكتور عبد المنعم فرج الصدة- الإثبات في المواد المدنية – شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي- طبعة ثانية (١٩٥٤م) ، ص٢٩٦ فقرة ٢٢٧ وما بعدها.
(٢) الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط، المرجع السابق: (٢/٦١٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>