للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: يشكل على هذا ما ذكر في مجمع الفتاوى من قوله: ولو غلت أو رخصت فعليه رد المثل بالاتفاق. انتهى.

قلت: لا يشكل؛ لأن أبا يوسف كان يقول أولاً بمقالة الإمام ثم رجع عنها، وقال ثانيًا: الواجب عليه قيمتها كما نقلناه فيما سبق عن البزازية وصاحب الخلاصة والذخيرة، فحكاية الاتفاق بناء على موافقته للإمام أولاً، كما لا يخفى، والله تعالى أعلم. وقد تتبعت كثيرًا من المعتبرات من كتب مشايخنا المعتمدة فلم أر من جعل الفتوى على قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه، بل قالوا: به كان يفتي القاضي الإمام. وأما قول أبي يوسف فقد جعلوا الفتوى عليه في كثير من المعتبرات فليكن المعول عليه. انتهى كلام الغزي رحمه الله تعالى. ثم أطال بعده في كيفية الإفتاء والحكم حيث كان للإمام قول وخالفه صاحباه أو وافقه أحدهما إلى آخر الزمان وأيد قول أبي يوسف الثاني كما ذكره هنا. ومشى العلامة الغزي في متنه تنوير الأبصار في مسألة الكساد على قول الإمام في القرض والبيع، فقال في فصل القرض: استقرض من الفلوس الرائجة والعدالي فكسدت، فعليه مثلها كاسدة لا قيمتها. انتهى.

وقال في الصرف هو وشارحه الشيخ علاء الدين: اشترى شيئًا به أي بغالب الغش وهو نافق أو بفلوس نافقة، فكسد ذلك قبل التسليم للبائع؛ بطل البيع، كما لو انقطعت عن أيدي الناس فإنه كالكساد، وكذا حكم الدراهم لو كسدت أو انقطعت بطل. وصححاه بقيمة البيع وبه يفتى؛ رفقًا بالناس. بحر وحقائق. انتهى.

وقوله: بقيمة المبيع صوابه بقيمة الكاسد، كما نبه عليه بعضهم ويعلم مما مر، ولم يتعرض لمسألة الغلاء والرخص.

ثم اعلم أن الظاهر من كلامهم أن جميع ما مر إنما هو في الفلوس والدراهم التي غلب غشها، كما يظهر بالتأمل، ويدل عليه اقتصارهم في بعض المواضع على الفلوس، وفي بعضها ذكر العدالي معها، فإن العدالي كما في البحر عن البناية بفتح العين المهملة وتخفيف الدال وكسر اللام: الدارهم المنسوبة إلى العدل، وكأنه اسم ملك ينسب إليه ضربهم، فيه غش. وكذا رأيت التقييد بالغالبة الغش في غاية البيان، وتقدم مثله في شرح التنوير.اهـ. ويدل عليه تعليلهم لقول أبي حنيفة بعد حكايتهم الخلاف بأن الثمنية بطلت بالكاسد؛ لأن الدراهم التي غلب غشها إنما جعلت ثمنًا بالاصطلاح، فإذا ترك الناس المعاملة بها بطل الاصطلاح، فلم تبق ثمنًا، فبقي البيع بلا ثمن فبطل، ويدل عليه أيضًا تعبيرهم بالغلاء والرخص، فإنه إنما يظهر إذا كانت غالبة الغش تعوم بغيرها، وكذا اختلافهم في أن الواجب رد المثل أو القيمة، فإنه حيث كانت لا غش فيها لم يظهر للاختلاف معنى، بل كان الواجب رد المثل بلا نزاع أصلاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>