للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ملاكات تشخيص الحقوق الإنسانية:

طرحت أو ربما تطرح في هذا المجال معايير وملاكات من قبيل (العرف، العقلاء، القانون، الدين، المصلحة والمفسدة، اللذة والألم، العواطف، العقل، مقتضيات العدالة ... وما إلى ذلك) .

وهذه الأمور إما أن تكون مصادر للحق أو أن تكون من الكواشف عنه، أو من اللوازم له أو غير ذلك، وعلى أي حال، فيجب قبل تعيين الملاك لتشخيص كون هذا الأمر حقا إنسانيا وعدمه أن نلاحظ الأمرين التاليين:

أولا: ما أشرنا إليه من معنى الحق ومعنى الإنسان ونوازعه وحاجاته الأصلية.

ثانيا: أن نرجع إلى مقياس يتوفر لدى الإنسان بغض النظر عن تلونه بالأشكال والطبائع الاجتماعية، وإلا لفقدنا صفة التعميم والشمول التي هي مقتضى طبيعة كونه إنسانا محضا.

فما هو إذن هذا المقياس الذي يكشف عن الحاجة الطبيعية الثابتة للوجود الإنساني المتكامل على طريق الفطرة؟

إننا لا نجد أمامنا إلا الوجدان المتوفر عند كل إنسان بذاته وذلك بمعناه الأعم من الوجدان الفكري والوجدان الأخلاقي، بل إننا لو اقتصرنا على الوجدان الأخلاقي المتوفر في أي إنسان استطعنا أن نكتشف أصول الحقوق الإنسانية إجمالا بلا ريب، ولا بأس بعد ذلك من حصول الاختلاف في المصاديق والتطبيقات.

وسنرى أن الوجدان نفسه يقودنا إلى وسيلة للوثوق بصحة المصاديق هذه، مما يمنحنا الصورة التفصيلية لهذه الحقوق.

وإذا عدونا الوجدان فإننا لن نجد أمامنا معيارا لا لمعرفة الحقوق فحسب بل لأية معرفة إنسانية وحينئذ نتصور الإنسان حبيس ذاته على الصورة التي أرادها له (باركلي) .

إن الإنسان بلا وجدان (بالمعنى الأعم) يفقد أي صبغة إنسانية، فهو الخشب بعينه ولا حقوق للخشب.

ولكن ما هو الوجدان نفسه؟ ربما لا نستطيع أن نستدل عليه إلا به، ومن أنكر الوجدان وحكمه فلن نقدر على إقناعه مطلقا.

فبالوجدان نصل إلى ما انقطع به من أحكام عقلية تشكل أساسا لمعرفتنا كلها، وبه أيضا نصل إلى ما مؤمن به جميعا من حسن في الأفعال وقبح فيها لتبنى عليها كل البنى الأخلاقية والاجتماعية.

وربما انطلق هؤلاء الذين كتبوا الإعلان العالمي من منطلقات وجدانية فطرية دون أن يشعروا، رغم أنهم فصلوا قضية الحقوق عن قضية الإيمان بالوجدان ومقتضياته.

فالوجدان هو الذي يؤكد حسن العدل وقبح الظلم، والوجدان هو الذي يؤكد حق الحياة وحق الحرية وحق الكرامة الإنسانية، وهو الذي يؤكد التساوي بين الأجناس باعتبارها الإنساني، وهكذا حقوق الأمومة والحقوق الجنسية وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>