للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن العربي: إذا تعينت لله أصلًا، وعينت له عقدًا، صارت عتيقة عن التملك، مشتركة بين الخليفة في العبادة " أ" (أحكام القرآن لابن العربي: ٤/ ١٨٦٩) وأخرج ابن جرير في تفسيره ٢٩/ ٧٣ عن عكرمة {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} قال: المساجد كلها.

وأما الإمام أحمد فاستدل له ابن قدامة في المغني: ٦/ ٢٢٦، بما روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد لما بلغ أنه قد نقب بيت المال الذي بالكوفة: انقل المسجد الذي بالتمارين، واجعل بيت المال قبلة المسجد، فإنه لن يزال في المسجد مصل.

وأجاب عنه ابن الهمام (في فتح القدير: ٥/ ٤٤٦) بأن يمكن أنه أمره باتخاذ بيت المال في المسجد.

ويبدو أن المذهب الراجح في هذا مذهب الجمهور، فلا ينبغي أن يباع مسجد بعد ما تقرر كونه مسجدًا، وإلا لصارت المساجد مثل كنائس النصارى، يبيعونها كلما شاءوا، ولكن المسألة لما كانت مجتهدًا فيها، وفي كلا الجانبين دلائل من الكتاب والسنة، فلو خيف الاستيلاء من قبل الكفار على مسجد ارتحل عن جواره أهله، ولم يرج عود المسلمين إلى ذلك المكان، ففي مثل هذه الضرورة الشديدة، يبدو أنه لا بأس بالأخذ بقول الإمام أحمد أو محمد بن الحسن رحمهما الله تعالى، ويباع بناء المسجد ويصرف ثمنه إلى بناء مسجد آخر، لا إلى مصرف سوى المسجد، قد نص عليه فقهاء الحنابلة حيث قالوا: "ولو جاز جعل أسفل المسجد سقاية وحوانيت لهذه الحاجة، لجاز تخريب المسجد، جعله سقاية وحوانيت، ويجعل بدله مسجدًا في موضع آخر" (راجع المغني لابن قدامة: ٦/ ٢٢٨) .

ثم إن جواز هذا البيع إنما يصار إليه أن تحقق انتقال جميع السكان هما حول المسجد، ولم يرجع عودهم إليه، فإن انتقل أكثر السكان، وبقي منهم بعض، فلا سبيل إليه، قد نص عليه الفقهاء الحنابلة أيضًا حيث قالوا: "وإن لم تتعطل مصلحة الوقف بالكلية لكن قلت: وكان غيره أنفع منه، وأكثر ردًا على أهل الوقف لم يجز بيعه، لأن الأصل تحريم البيع، وإنما أبيح للضرورة صيانة لمقصود الوقف عن الضياع مع إمكان تحصيله، ومع الانتفاع وإن قل ما يضيع المقصود (المغني لابن قدامة: ٦/ ٢٢٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>