للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أن مذهب الإمام أحمد رحمه الله في مثل هذا أن المسجد يجوز بيعه عندما وقع الاستغناء عنه بالكلية فقد جاء في المغني لابن قدامة: "أن الوقف إذا خرب، وتعطلت منافعه، كدار انهدمت أو أرض خربت، وعادت مواتًا، ولم تمكن عمارتها، أو مسجد انتقل أهل القرية عنه، وصار في موضع لا يصلى فيه، أو ضاق بأهله، ولم يمكن توسيعه في وضعه، أو تشعب جميعه، فلم تمكن عمارته ولا عمارة بعضه إلا ببيع بعضه، جاز بيع بعضه لتعمر به بقيته، وإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه بيع جميعه، (المغني لابن قدامة مع الشرح الكبير: ٦/ ٢٢٥) .

وهناك قول آخر: وهو قول الإمام محمد بن الحسن الشيباني، أن الوقت إذا استغني عنه تمامًا، فإنه يعود إلى ملك الواقف، أو إلى وراثه بعد موته، يقول صاحب الهداية: "وعند محمد يعود إلى ملك الباني، أو إلى وراثه بعد موته، لأنه عينه لنوع قربة، وقد انقطعت، فصار كحصير المسجد وحشيشه إذا استغني عنه" (٥/ ٤٤٦) .

فإذا عاد إلى ملك الواقف جاز له بيعه بعد ذلك.

وأن الجمهور استدلوا على قولهم بعدم جواز البيع، وعدم انتقاله إلى ملك الواقف، بقصة عمر رضي الله عنه بخيبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من شرائط الوقف: ((أنه لا يباع أصلها، ولا تابع، ولا تورث ولا توهب)) أخرجه الشيخان وهذا لفظ مسلم في باب الوقف.

واستدل الإمام أبو يوسف للجمهور بالكعبة أيضًا، فإن في زمن الفَتْرَة قد كان حول الكعبة عبدة أصنام، وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية، ثم لم يخرج موضع الكعبة به من أن يكون موضع طاعة وقربة خالصة لله تعالى فكذلك سائر المساجد، واعترض عليه ابن الهمام في فتح القدير: ٥/ ٤٤٦، بأن الطواف لم يزل باقيًا على عهد الفترة أيضًا، فلم تترك العبادة المقصودة بالكعبة رأسًا، وأجاب عنه الشيخ العثماني التهانوي رحمه الله بأن القربة التي عينت لها لكعبة هي الصلاة إليها، دون الطواف وحده، لقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام بعد ذكر إسكانه ذريته عند البيت الحرام {رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ} ولم يذكر الطواف، وقوله {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ} مفسر بالمسافرين والمقيمين كقوله {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} (راجع إعلاء السنن: ١٣/ ٢١٢) ، وإن من أقوى أدلة الجمهور في هذا الباب قوله الله تعالى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} .

<<  <  ج: ص:  >  >>