للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى هذا الحد شدد فقهاء الإسلام النكير على دفن المسلم في مقابر الكفار، فإن توفي ببلاد الكفر وحيث لا توجد مقبرة خاصة بالمسلمين فكيف الصنيع في ميزان الشرع؟ إن أمكن نقله إلى بلدة بها مقبرة خاصة بالمسلمين، لا يخشى تغير الميت في أثنائه، وانتهاك حرمته، وثقل مؤنته، ونقل وجوبًا، وإن خيف تغيره أثناء النقل أو ثقلت مؤنة النقل بالوسائل السريعة لا ينقل، أما الأول فلانتهاك الحرمة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((كسر عظم الميت ككسره حيًّا)) قال السيوطي في بيان سبب هذا الحديث وسياقه ما يلي: عن جابر: ((خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفير القبر وجلسنا معه، فأخرج الحفار عظمًا ساقًا أو عضدًا فذهب ليكسرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تكسرها فإن كسرك إياه ميتًا ككسرك إياه حيًا، ولكن درسه في جانب القبر)) (١) فالحديث دليل صريح على أن حرمة الإنسان ميتًا كحرمته حيًا.

وأما الثاني فلثقل المؤنة: فالنقل بالطائرة يستلزم أموالًا باهظة لا يستطيعها الكثير ويستطيعها النزر اليسر، والحي من المسلمين أولى بها، ولذلك أنكرت عائشة رضي الله عنها لما وقفت على قبر عبد الرحمن أخيها، وقد نقل من الحبشة إلى مكة حيث دفن والمسافة بعيدة، فقالت: والله لو حضرتك ما دُفِنْتَ إلا حيث مِتَّ، قال صاحب المغني: لأن ذلك أخف لمؤنته، وأسلم له من التغيير (٢)

وترتيبًا على ما ذكر أفتي إخواني في بلاد الغربة لأن يدفنوا موتاهم متى بعدت المسافة عن مقابر إسلامية بمقابر الكفار، لأن ذلك أخف مؤنة على الأحياء وأبقى لحرمة الأموات وأسلم لهم من التغيير، والله أعلم.


(١) دار الإفتاء المصرية، الفتاوى الإسلامية: ٤/ ١٣٣٢
(٢) المغني: ٢/ ٥١٠

<<  <  ج: ص:  >  >>