للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن المتأخرين منهم أجازوا ذلك بشرط خراب الوقف، وتعطل منفعته، وجعل ما اشتري أو استبدل من ربع غير خرب حبسًا في مصرف البر الذي كان فيه الأول لكنهم قيدوا ذلك بغير المساجد، أما المساجد فلا يجوز بيعها ولو خربت وتعطلت منفعتها، أو خربت العمارة حولها، ولا استبدالها بما هو أغبط بالإجماع، واختلفوا في جواز بيع أنقاضها، أو دفعها إلى عمارة مسجد آخر كما سبق.

وأما المذهب النعماني فقد جاء فيه: إذا خرب ما حول المسجد، واستغني عنه، قال أبو حنيفة وأبو يوسف يبقى مسجدًا، لأن المحبس أسقط ملكه بتحبيسه فلا يعود إلى ملكه كالإعتاق، ولأن المسجد الحرام استغنى عنه أهله في زمن الفترة، ولما جاء الله بالإسلام لم يعد إلى ورثة الباني له.

وقال محمد بن الحسن الشيباني: لا يبقى مسجدًا، ويعود إلى ملك المحبس، أو إلى ملك ورثته بعد موته، لأنه عينه لجهة وقد انقطعت بخرابه ففات غرضه منه، وهو القرابة إلى الله تعالى بمكان يصلي فيه الناس فيعود إلى ملكه، كما لو كفن ميتًا ثم أكله سبع وبقي الكفن يعود إلى ملكه كذا هذا، وقال أيضًا: إذا خرب المسجد حتى لا يصلى فيه، فالذي بناه إن شاء أدخله داره وإن شاء باعه، فإن لم يبق المسجد بان فخرب، وبنى أهل المسجد مسجدًا آخر، ثم أجمعوا على بيعه واستعانوا بثمنه، في بناء المسجد الآخر فلا بأس بذلك كما جاء عنه أيضًا: مسجد بادت القرية من حوله، خربت وجعلت مزارع، وخرب المسجد، ولا يصلي فيه أحد، ولا بأس أن يأخذه صاحبه ويبعه لمن يجعله مزرعة، ويأخذ ثمنه فيأكله، أو يجعله مزرعته (١)

وفي المذهب الشافعي: إذا تعطل المسجد بتفرق الناس عن البلد أو خرابها أو بخراب المسجد فلا يعود مملوكًا خلافًا لمحمد بن الحسن "ولا يجوز بيعه بحال ولا التصرف فيه كما لو أعتق عبدًا، ثم زمن لا يعود مملوكًا ثم إن خيف أن تنقضه الشياطين نقض وحفظ، وإن رأى القاضي أن يبنى بنقضه مسجدًا آخر، قال القاضي وابن الصباغ والمتولي: يجوز، وقال المتولي: الأولى من ينقل إلى أقرب الجهات إليه، فإن نقل إلى البعيد جاز، ولا يصرف النقض إلى غير المسجد كالرباطات والقناطر والآبار كما لا يجوز عكسه، لأن الوقت لازم، وقد دعت الضرورة إلى تبديل المحل دون الجهة، والحاصل من ريع وقف عمارة هذا المسجد يصرف إلى عمارة مسجد آخر.


(١) راجع: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي مع حاشية الشهاب الشبي عليه: ٣/ ٣٣٠ - ٣٣١

<<  <  ج: ص:  >  >>