للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السؤال التاسع

كثيرات من النساء هنا (أمريكا الشمالية) يذكرن أن أقصى ما بإمكانهن سترة من أجسادهن هو ما عدا الوجه والكفين، وبعضهن تمنعهن جهات العمل، أو الدراسة، من ستر رؤوسهن وأعناقهن، فما أقصى ما يمكن السماح بكشفه من أجزاء جسم المرأة بين الأجانب في محلات العمل أو الدراسة؟

وفي الجواب عن هذا السؤال أفيد والله الموافق للصواب: أن ما قاله جل النسوة من أن أقصى ما يستطعن ستره من أجسادهن هو ما عدا الوجه والكفين هو شرع الله جلل جلاله، إذ عورة المرأة إذا حاضت جميع جسدها ما عدا الوجه والكفين عند مالك والشافعي وأحمد في إحدى روايتيه: أن الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها، مع قول أبي حنيفة: أنها كلها عورة كذلك إلا وجهها وكفيها وقدميها ومع الرواية الأخرى عن أحمد: إلا وجهها خاصة (١)

ونسب ابن رشد الحفيد إلى الأمام أحمد قولًا ثالثًا وهو أن المرأة كلها عورة (٢) ولم يعزه ابن قدامة في مغنيه إلى الإمام أحمد وإنما إلى بعض أهل المذهب الحنبلي، فقال: وقال بعض أصحابنا المرأة: كلها عورة لأنه قد روى في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((المرأة عورة)) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، ولكن رخص لها في كشف وجهها وكفيها لما في تغطيته من المشقة، وأبيح النظر إليه لأجل الخطبة لأنه مجمع المحاسن، وهذا قول أبي بكر الحارث ابن هشام قال: المرأة كلها عورة حتى ظفرها (٣)

وأرجع ابن رشد الحفيد الخلاف في هذه المسألة إلى الاحتمال القائم في قوله عز وجل {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} هل هذا المستثنى إلى أن المقصود أعضاء محدودة أم إنما المقصود ما لا يملك ظهوره؟ فمن ذهب إلى أن المقصود من ذلك ما لا يملك ظهوره عند الحركة، قال: بدنها كله عورة حتى ظهرها واحتج لذلك بعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} .

ومن رأى أن المقصود من ذلك ما جرت به العادة بأنه لا يستر وهو الوجه والكفان ذهب إلى أنهما ليسا بعورة، واحتج لذلك بأن المرأة ليست تستر وجهها في الحج" (٤)


(١) الشعراني، الميزان الكبرى: ١/ ١٧٠
(٢) بداية المجتهد: ١/ ١١١
(٣) بداية المجتهد: ١/ ٦٠١
(٤) بداية المجتهد: ١/ ١١١

<<  <  ج: ص:  >  >>