للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا ما يتعلق بشطر السؤال الأول، وهو إقامتها بمفردها في منزل خاص بها. وأما ما يتعلق بشطر السؤال الثاني وهو: إقامتها مع نسوة غير مسلمات فلا يجوز لها ذلك، قال تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} إلى أن قال جل جلاله {أَوْ نِسَائِهِنَّ} قال القرطبي في تفسير ذلك يعني المسلمات، وتدخل في هذا الإماء المؤمنات، ويخرج منه نساء المشركين من أهل الذمة غيرهم فلا يحل لامرأة مؤمنة أن تكشف شيئًا من بدنها بين يدي امرأة مشركة إلا أن تكون أمة لها، فذلك قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} وكان ابن جريح وعبادة بن نسي وهشام القارئ يكرهون أن تقبل النصرانية المسلمة، أو ترى عورتها، ويتأولون {أَوْ نِسَائِهِنَّ} وقال عبادة بن نسي: وكتب عمر صلى الله عليه وسلم إلى أبي عبيدة بن الجراح: "أنه بلغني أن نساء أهل الذمة يدخلن الحمامات مع نساء المسلمين، فامنع ذلك، وحُلْ دونه فإنه لا يجوز أن ترى الذمية عرية المسلمة، قال: فعند ذلك قام أبو عبيدة، وابتهل وقال: أيما امرأة تدخل الحمام من غير عذر، لا تريد إلا أن تبيض وجهها، فسود الله وجهها يوم تبيض الوجوه، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يحل للمسلمة أن تراها يهودية أو نصرانية لئلا تصرفها لزوجها، وفي هذه المسألة خلاف للفقهاء" (١)

وهذا أولًا، وثانيًا عملًا بقاعدة سد الذرائع وذلك أن المرأة المسلمة موجودة بمجتمع الغرب الذي يعيش بلا قيم ولا أخلاق، لا سيما في مجال الجنس فقد أصبح طليقًا من كل اليوم، فلا يعقل أن نلقي بها في بؤرة فساد ونلزمها بعد ذلك أن تكون عفيفة طاهرة؛ لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه:

ألقاه في اليم مكتوفًا، وقال له

إياك إياك أن تبتل بالماء

وثالثًا: أن الخلاف قد جرى بين السلف من الفقهاء في نظر غير المسلمة إلى المسلمة، لا في مساكنتها، وللمساكنة معنى زائد عن النظر.

رابعًا: أن الخلاف بين السلف من الفقهاء في نظر الذمية إلى المسلمة.

ونحن نعلم أن شيمة أهل الذمة الصغار بخلاف كفار اليوم فهم الأعزاء والمتسلطون على العالم.

وترتيبًا على ذلك أُفتي أخواتي في بلاد الغربة بأنه يجوز لهن الإقامة بمفردهن في مسكن خاص له غلق ومرافق متى توفر الآن، ولا يجوز لهن أن يساكن غير المسلمات كتابيات أو غير كتابيات لأنهن كالرجل الأجنبي بالنسبة لهن، والله أعلم.


(١) الجامع لأحكام القرآن: ١٢/ ٢٣٣

<<  <  ج: ص:  >  >>