للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السؤال الثامن

بعض النساء أو الفتيات تضطرهن ظروف العمل، أو الدراسة إلى الإقامة بمفردهن، أو مع نسوة غير مسلمات، فما حكم هذه الإقامة؟

وفي الجواب عن هذا السؤال أفيد –والله ولي التسديد- فأقول: جاء الإسلام الحنيف معلنا مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في أصل الخلقة الإنسانية، فقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} وقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} وقال صلى الله عليه وسلم: ((النساء شقائق الرجال)) ، رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي، ومبدأ المساواة بينهما في الانتساب إلى الجامعة الإسلامية، فقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} وصرح فقهاء الإسلام بأن خطاب الأمة الإسلامية في القرآن الكريم يشمل الجنسين: الذكر والأنثى ولو كان بصيغة التذكير.

وانطلاقًا من مساواة المرأة للرجل فيما ذكر، جاءت المساواة في التشريع بينهما أصلًا لا يتخلف، إلا عند وجود مانع: جبلي أو شرعي أو اجتماعي، أو سياسي، وفي كل إما أن تكون دائمًا أو مؤقتًا (١) ، ولم ينص على شيء من ذلك فيما أعلم.

واهتداء هذا الأصل من أصول التشريع الإسلامي للنظام الاجتماعي تقرر في الفقه الإسلامي جواز إقامة المرأة المسلمة في مسكن خاص بها له غلق ومرافق متى توفر لها الأمن ولا أعلم في ذلك خلافًا، فعن ابن مسعود رضي الله عنه في نساء نعي إليهن أزواجهن، وتشكين الوحشة يجتمعن بالنهار، ثم ترجع كل امرأة إلى بيتها بالليل، وأخرج الشافعي وعبد الرزاق عن مجاهد مرسلًا: ((أن رجالًا استشهدوا بأحد، فقال نساؤهم: يا رسول اله، أنا نستوحش في بيوتنا أفنبيت عند إحدانا؟ فأذن لهن أن يتحدثن عن إحداهن، فإذا كان وقت النوم تأوي كل واحدة إلى بيتها)) كما دل قوله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه مسلم في صحيحه: ((لا يبيتن رجل عند امرأة إلا أن يكون ناكحًا أو ذا محرم)) بطريق دلالة الالتزام على أن المسلمة يجوز لها أن تقيم في مسكن بمفردها وإلا لما ورد النهي عن البيات معها إلا لناكح أو ذي محرم.


(١) راجع كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية لسماحة الأستاذ الإمام محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله: ١٠٠ وما بعدها، وكتاب أصول النظام الاجتماعي في الإسلام له أيضًا: ١٤٧ وما بعدها، والأشباه والنظائر للسيوطي رحمه الله: ٢٣٧ وما بعدها

<<  <  ج: ص:  >  >>