للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسبب الخلاف في حج الفرض معارضة الأمر بالحج والسفر إليه للنهي عن سفر المرأة ثلاثًا إلا مع ذي محرم وذلك أنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر أنه قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)) فمن غلب عموم الأمر قال: تسافر للحج وإن لم يكن معها ذو محرم، ومن خصص العموم بهذا الحديث أو رأى أنه من باب تفسير الاستطاعة قال: لا تسافر للحج إلا مع ذي محرم (١)

وقد نقل الحطاب أن حكم سفرها الواجب جميعه حكم سفرها لحجة الفريضة في الخروج مع الرفقة المأمونة، وعزا هذا القول إلى القاضي عبد الوهاب وغيره، وذلك كسفرها لحجة النذر، والقضاء وجميع الأسفار الواجبة عليها.

كما نقل عن الباجي تقييد إطلاق الحديث بالانفراد والعدد اليسير، أما القوافل العظيمة فهي عند الباجي كالبلاد يصح سفر المرأة فيها بدون نساء وذوي محارم، وذكر هذا القيد الزناتي في شرحه على رسالة ابن أبي زيد رضي الله عنه على أساس أنه المذهب وقيد به قول ابن أبي زيد: والقوة على الوصول إلى مكة، إما راكبًا أو راجلًا مع صحة البدن، ونص كلام الزناتي على ما ذكر الحطاب ما يلي: "إذا كانت في رفقة مأمونة ذات عَدَدٍ وعُدَدٍ أو جيش مأمون من الغلبة والمحلة العظيمة فلا خلاف في جواز سفرها من غير ذي محرم في جميع الأسفار الواجب منها والمندوب والمباح من قول مالك وغيره إذ لا فرق بين ما تقدم ذكره وبين البلد، هكذا ذكره القابسي ونقله في الإكمال عن الباجي وقَبِلَه: ولم يذكر خلافه " (٢) .

وبعد بسطنا للمسألة من خلال فقه أئمة المذاهب، واعتمادًا منا على ما قيد به الباجي الحديث، وعلى وصف الزناتي لذلك القيد بأنه المذهب (أي المعتمد في المذهب المالكي) وعزوه للقابسي وبعد نقل صاحب الإكمال له، دون ذكر خلافه، وبعد نظرنا في تطور وسائل النقل تطورًا سريعًا تكفي الدقائق لانتقال الإنسان من ولاية إلى ولاية أبعد من مسافة القصر وبعد نظرنا في تقييد الحطاب السفر بمسيرة ليوم وليلة فأكثر وبعد الاطلاع على أن للشافعي قولًا أنها تسافر وحدها إذا كان الطريق آمنًا (٣) أفتى هؤلاء البنات المسلمات بجواز السفر بالحافلات والقطارات والطيارات وبغيرها من وسائل النقل التي تعظم فيها الجماعات ويكون لها شبه بالجيوش والبلدان والمحلات بغير زوج لهن ولا محرم منهم، والله أعلم. حرره فقير ربه محي الدين قادي.


(١) ابن رشد الحفيد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد: ١/ ٣١١ - ٣١٢
(٢) مواهب الجليل: ٢/ ٥٢٤
(٣) الصنعاني: ٢/ ١٨٣

<<  <  ج: ص:  >  >>