للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعصير المستخلص من التمر والعنب متفق على ما منبع بيعه وابتياعه وجمهور الفقهاء على إطلاق اسم الخمير على كل ما خامر العقل فأسكره، وأن ما أسكر كثيره قليله حرام شراب وبيعها، فقد صح عنه صلوات الله وسلامه عليه: ((كل مسكر خمر)) قال ابن القيم: وهذا نص رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح الصريح الذي لا مطعن في سنده: ولا إجمالا في متنه.. وإخراج صنف من أصناف المسكر عن اسم الخمر يتضمن محذورين:

أحدهما: أن يخرج من كلامه ما قصد دخوله فيه.

والثاني: أن يشرع لذلك النوع الذي أخرج حكم غير حكمه، فيكون تغييرًا لألفاظ الشارع ومعانيه، فإنه إذا سمى ذلك النوع بغير الإسم الذي سماه به الشارع أزال عنه حكم ذلك المسمى وأعطاه حكمًا آخر.

ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم أن من أمته من يبتلى بهذا كما قال: ((ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها)) قضى قضية كلية عامة، لا يتطرق إلها إجمالًا ولا احتمال، بل هي شافية كافية فقال صلى الله عليه وسلم ((كل مسكر خمر)) (١)

هذا والذي يظهر من قول ابن عمر رضي الله عنهما: "ولا تعصروها ولا تشربوها، ولا تسقوها فإنها رجس من عمل الشيطان" المنع من كل تصرف مقصود فيها، وعمل لها، معللًا ذلك بالرجسية، وكونها من عمل الشيطان ومريدًا والله أعلم قوله تعالى {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} والاجتناب قاض بالكف عن كل تصرف مقصود ففها وعمل لها، وفي الحديث: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبايعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له)) هذا ما يتعلق ببيع الخمر وعصرها وصناعتها، وكل تصرف مقصود فيها، وعمل لها.

وأما ما يتعلق بيع الخنازير فقد ورد في هدى خير العباد في الحديث الثالث الذي رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما تحريم بيع الخمر الخنزير والانتفاع به مع ترخيص المالكية في الانتفاع بشعره للخرز بعد جزه لطهارته، فقال خليل بن إسحاق بالعطف على الطاهر وشعر ولو من خنزير إن جزت (٢) وعلى هذا أبو يوسف والأوزاعي.

والجمهور على أن علة تحريم بيع الخنزير نجاسته، وعند المالكية ومن وافقهم تحريمه (٣)

وأما ما ورد في السؤال ممن تقيد بيعها بغير المسلمين فهو قيد لاغ، لأن اختلاف الدارين لتباين الأحكام إذ دعوة الإسلام نور وهدى، ورحمة وشفاء لا يختلف باختلاف الرباع والأماكن، فإن باع مسلم نصرانيًا خمرًا تراق عليه بحكم أن كان ثم حاكم يرى تخليلها، وإلا أراقها من غير رفع، لأن المسلم لا يصح له تملك الخمر بحال.

وترتيبًا على كل ما سبق أفتي وأنا فقير ربه محيي الدين قادي أنه لا يجوز لمسلم أن يبيع الخمور والخنازير، ولا أن يصنع الخمر وأن ليؤدي على ذلك، والله أعلم.


(١) زاد المعاد في هدى خير العباد: ٢/ ٢٤٠
(٢) المختصر: ٥
(٣) راجع فتح الباري لابن حجر: ٤/ ٤٢٥ - ٤٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>