للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال العتبي: وسئل (أي مالك) عن الذي تكون له القرحة أيغسلها بالبول والخمر؟ فقال: إذا أنقى ذلك بالماء بعد فنعم له ذلك، وأني لأكره الخمر في كل شيء الدواء وغيره يعمد إلى ما حرم الله في كتابه، وذكر نجاسته يتداوى به، ولقد بلغني أنها أشياء يدخلها من يريد الطعن في الدين والغض عليه، فقيل له: فالبول عندك أخف؟ فقال: نعم.

قال ابن رشد الجد في شرحه على العتبية: "إنما رأى غسل الجرح بالبول أخف من غسله بالخمر، لأن لله تبارك وتعالى قال في الخمر: أنها رجس، وأمر باجتنابها حيث يقول: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} فاقتضى ظاهر الأمر باجتنابها بحمله على مقتضاه من العموم الشرب وغيره، والبول لم يأت فيه ذلك إلا أنه نجس بالإجماع، فحرم التداوي بشربه، وجاز الانتفاع به في غسل الجرح وشبهه، قياسًا على ما أجازته السنة من الانتفاع بجلد الميتة النجس" (١)

إذن مذهب إمام دار الهجرة يحرم التداوي بالخمر شربًا وغسلًا ودهنًا على المعتمد، وأما المذهب الشافعي فقد قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "كتاب الأشربة والتعازير" من شرحه على منهجه: "كل شراب أسكر كثيره من خمر أو غيره حرم تناوله وإن قل ولم يسكر لآية {إِنَّمَا الْخَمْرُ} ولخبر الصحيحين: ((كل شراب أسكره فهو حرام)) وخبر مسلم: ((كل مسكر خمر، وكل خمر حرام)) ولو كان تناوله للتداول أو عطش لو لم يجد غيره لعموم النهي عنه (٢)


(١) ابن رشد: البيان والتحصيل: ١٨٨/ ٤٢٨ - ٤٢٩
(٢) شرح المنهج: ٥/ ١٥٨

<<  <  ج: ص:  >  >>