للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل النظير والشبيه لهذه القضية المطروحة ما جرى بالمغرب الأقصى في القرن الثالث عشر الهجري حين أخبر بعض الثقات ممن له مزيد فطنة، ويتيقظ أن سكر القالب الذي جلب من بلاد الروم، ويجعلون فيه الدم المسفوح عند طبخه للتصفية، ثم يبالغون فيه بالعمل طبخًا وتصفية إلى أن يصير في النهاية من البياض والصلابة مفرغًا في القوالب على الشكل المواصل إلينا، وكثر التساؤل نظمًا ونثرًا عن حكم ما استعمل فيه من المشروبات والمأكولات أهو الجواز أو الحرمة؟ وتعددت الإجابات، واختلفت.

وممن أجاب عن السؤال وأجاب أبو الربيع سليمان الحوات في نحو كراسة، ومما جاء في إجابته، "وهب أن تنجيس النصارى للسكر بما ذكر، قد ثبت الثبوت المعتبر، بل تواتر فيما مضى وغبر، لا يحرم أكله، ولا يمنع بيعه لطهارته بعد الاستحالة إلى صلاح، وعدم استقذاره فإنه دم منعقد طاهر لاستحالته إلى صلاح، وإن كان جزء حيوان، لاتصافه بنقيض علة النجاسة، وهي علة الاستقذار وقد قال الحطاب: إن جواز أكله كالمعلوم من الدين بالضرورة، وكلام الفقهاء في أكل المحرم الطعم الممسك دليل على ذلك.

وقد صحح البرزلي جواز استعمال ما يصبغ بالدم، أو بالبول، وأجراهما على النجاسة تنقلب أعيانها إلى صلاح، وأما طهارته لكثرة الأعمال فيه، من تكرار طبخه مرارًا، والسكر في أوان تختلف بحسب كل طور من أطوار طبخه، إلى غير ذلك مما في التذكرة للشيخ داود فكأنه به أحمر قان مائع، فإذا هو أبيض جامد كالحجارة أو أشد لا أكثر لعين الدم النجس فيه بحال طعمًا ولا لونًا، لا ريحًا، وإذا تحقق ذهاب عين النجاسة فلا معنى لمنع ما سواه نحو ما في الرحلة العياشية عن سيدي أحمد بن عمران في الملف الذي يصنع ببلاد الروم من الصوف لمنتوف من الغنم الحية، إن الجزء النجس منها لا يبقى مع الأعمال الكثيرة التي يصير بعدها ملفًا بالغ الصنعة من دق وغسل وقصر وغزل، ونسيج وغير ذلك، بل يضمحل بالكلية، فلا يمنع حينئذ من لبسه لتحقق ذهاب عين النجاسة منه، ودون هذه الأعمال المتداولة على السكر والملف بكثير عمل الزيت المتنجس، وقد أفتى المازري بجواز استعماله إن لم يتغير أحد أوصافه، وقال: إنه الصحيح عندي على أصل المحققين ثم التطهير بكثرة الأعمال في المتنجس كالسكر والزيت أظهر منه في نفس النجس الذي هو الصوف المنتوف كما أنه أظهر فيهما معا من الطعام الذي طبخ فيه روث الفرس وهو غالب على الطعام وقد أفتى ابن عرفة بأكله.

<<  <  ج: ص:  >  >>