للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يقال: إن هذا السكر يحتمل عقلًا أن يبقى فيه شيء من أثر الدم النجس ولو بولغ في أعماله؛ لأنا نقول: هذا الاحتمال إنما هو من جملة التجويزات العقلية وهي لا تعتبر في الأحكام الفقهية التي هي على غلبة الظن مبنية على أنه احتمال جار عقلًا في أكثر الأشياء دائمًا، إذ ما من طعام، أو شراب أو ثياب أو غيرها إلا وهو محتمل عقلًا لتعلق شيء من النجاسة به، ولا ينتفي الاحتمال عنه بتكرر الأعمال فيه أبدًا، فالاستثناء إذن في ذلك إنما هو إلى حكم العادة ولا إلى مجرد التجويز العقلي (١)

وقال ابن تيمية من فقهاء الحنابلة: الاستقراء دلنا أن كل ما بدأ الله بتحليله وتبديله من جنس إلى جنس مثل جعل الخمر خلا، والدم منيا، والعلقة مضغة، ولحم الجلالة الخبيث طيبا، وكذلك بيضها ولبنها والزرع المسقى بالنجس إذا سقي بالماء الطاهر وغير ذلك، وأنه يزول حكم التنجيس، ويزول حقيقة النجس، واسمه التابع للحقيقة، وهذا ضروري لا يمكن المنازعة فيه فإن جميع الأجسام المخلوقة في الأرض فإن الله يحولها من حال إلى حال ويبدلها خلقًا بعد خلق، ولا التفات إلى موادها وعناصرها.

وأما ما استحال بسب كسب الإنسان كإحراق الروث حتى يصير رمادًا ووضع الخنزير في الملاحة حتى يصير ملحًا ففيه خلاف مشهور، والقول بالتطهير اتجاه وظهور (٢)

وانطلاقًا من كل النصوص الفقهية التي نقلت والمقتضية أن النجاسة تطهر بالاستحالة أفتي إخواني المسلمين في بلاد الغربة وغيرها من بلاد الإسلام بحلية ما تستعمل فيه الخمائر والجلاتين المذكورة، واستعمال غيره من الخمائر النباتية، أو الجلاتين التي تحتوي على نسب من عظم حيوانات مذكاة ويحل لنا أكلها كالبقر أولى وأدخل في باب اتقاء ما يريب، والله أعلم.


(١) محمد الطالب بن حمدون بن الحاج السلمي، حاشية على الشرح الصغير لميارة علي المرشد: ١٤٦ - ١٤٧
(٢) ابن تيمية، الفتاوى: ٢١/ ٦٠٠ - ٦٠١

<<  <  ج: ص:  >  >>