للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاً

عندما يكون المستفاد منه حياً

وقد قلنا إن هذه الحالة يتفرع عنها احتمالان اثنان: الاحتمال الأول أن يتعلق بحياته حق للغير، والاحتمال الثاني أن لا يتعلق بحياته حق لأحد، ولنبدأ بدراسة الاحتمال الأول منهما.

عندما يتعلق بحياة المستفاد منه حق للغير:

ونعني بذلك أن يرتكب الإنسان جرماً، قد أدين به طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، وترتبت عليه بسببه عقوبة الإعدام، كزنا المحصن، وقتل النفس عمداً بغير حق، والارتداد عن الإسلام مع الإصرار عليه.

ومن المتفق عليه أن هذا الإنسان يصبح مهدر الدم بعد إدانته أمام القضاء، بمثل هذا الجرم، فهل يجوز أخذ شيء من أعضائه ليزرع في جسم إنسان محترم محصن الدم، قد أشرف على الهلاك، وتعين لإنقاذ حياته زرع عضو من غيره في جسده، ككلية وقلب وعين أو نحو ذلك، بقطع النظر عما قد يستلزمه استلاب ذلك العضو من صاحبه، من موت أو تشويه؟

قبل أن نجيب عن هذا السؤال، يستحسن أن نمهد له ببيان رأي الفقهاء في حكم أكل المضطر من جسم إنسان مهدر الدم قد وجب قتله بحكم القضاء الإسلامي.

أما الشافعية، فقد ذهبوا إلى جواز ذلك، نظراً إلى أن مهدر الدم لا حرمة له، ولا قيمة لحياته فهو في حكم الميت، قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام: (لو وجد المضطر من يحل قتله، كالحربي والزاني المحصن وقاطع الطريق الذي تحتم قتله، واللائط والمصر على ترك الصلاة، جاز له ذبحهم وأكلهم، إذ لا حرمة لحياتهم، لأنها مستحقة الإزالة فكانت المفسدة في زوالها أقل من المفسدة في فوات حياة المعصوم) (١) .

وأما الحنابلة، فقد اختلف الرأي في ذلك عندهم، غير أن ما ذكره ابن قدامة في المغني يتضمن ترجيح القول بجواز ذلك، موافقة لما ذهب إليه الشافعي وأصحابه (٢) .

وأما المالكية، فالمذهب عندهم منع ذلك مطلقاً، قال الدردير في الشرح الصغير: (إلا الآدمي فلا يجوز أكله للضرورة، لأن ميتته سم، فلا تزيل الضرورة) (٣) . وقال الصاوي تعليقا: (أي فلا يجوز تناوله سواء كان حياً أو ميتاً، ولو مات المضطر، وهذا هو المنصوص لأهل المذهب) .

وهذا الذي ذهب إليه المالكية هو الراجح عند الحنفية، على ما ذكره ابن عابدين في حاشيته) (٤) .

ويتحصل من هذا أن الشافعية والحنابلة وبعضاً من الحنفية، يجيزون أكل لحم المهدر دمه عند الضرورة. أما المالكية والراجح عند الحنفية ـ فيما يراه ابن عابدين ـ فعلى حرمة ذلك.


(١) قواعد الأحكام في مصالح الأنام: ١/٨١
(٢) المغني لابن قدامة: ٩/٤١٩
(٣) الشرح الصغير للدردير، مع حاشية الصاوي عليه: ٢/ ١٨٤
(٤) انظر حاشية ابن عابدين: ٥/ ٢٩٦

<<  <  ج: ص:  >  >>