للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن السمة العظيمة التي تعطي الأمة الإسلامية مكانة قوية هائلة هي اجتماعها على أساس من دينها، وهذه حقيقة أثبتها القرآن ونبه إليها وأمر بها، فقد أمرنا القرآن بالوحدة ونهانا عن الاختلاف والتفرق، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} . (١)

ثم ذكرنا بالحال التي كنا عليها قبل الإسلام. فقد كنا قبائل متفرقة، يقتل بعضها بعضا، ويسبي بعضها بعضا، فجاءنا الله بالإسلام فأصبحنا في ظله إخوة أحبة {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} . (٢)

ثم نهانا الحق تبارك وتعالى عن مسلك الأمم السابقة وهو التنازع والاختلاف بعد أن جاءتنا البينات {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} . (٣)

وقد أخبر جل وعلا أن التنازع والاختلاف يسبب الفشل وذهاب القوة، ذلك أن الوحدة تجعل الأمة قوية متماسكة في وجه الرياح والأعاصير، وعندما توجه هذه القوة مجتمعة نحو أعدائها، فإنها تفتت بأسهم وتقضي على كيدهم، فإذا اختلفت الأمة أصبح بأسها بينها، وهذا هو الفشل، لأنها تدمر نفسها بنفسها، وعند ذلك ينال أعداؤها منها ما يريدون، وقد حذرت النصوص من هذا المصير، وأخبرت أن الفرقة تعني ذهاب القوة وغلبة الأعداء {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} . (٤) . وفي صحيح مسلم عن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سالت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوي أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوا فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا)) .

إن الوعد الإلهي في غاية الوضوح، لقد وعد الله الأمة بالنصر والتأييد والغلبة ما دامت متحدة على كلمة سواء، فإذا تفرقت واختلفت واقتتلت فهناك تكون الهزائم وتسلط الأعداء، وحلول النقم والبلايا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


(١) سورة آل عمران: (١٠٣)
(٢) سورة آل عمران: (١٠٣)
(٣) سورة آل عمران: (١٠٥)
(٤) سورة الأنفال: (٤٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>