للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تأخر الأمة وانحطاطها

إن المتفكر في حال الأمة الإسلامية عندما يقارن بين حاضرها المشهود، وماضيها الغابر يهوله الأمر، فالبون شاسع، والفرق بعيد، وعندما يرجع الباحث النظر مرة أخرى مقارنا بين الواقع المشهود والموقع الذي رسمه القرآن لها فإنه يجدها لا تتبوأ المقعد الذي حدده القرآن لها.

والدارس لخط سير تاريخ الأمة الإسلامية يجد أن استمرار الأمة الإسلامية على خصائصها التي جعلتها خير أمة أخرجت للناس لم يستمر على وتيرة واحدة، فالخط البياني كان ولا يزال متذبذبا بين هبوط وصعود. وقد أشار الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى هذا التذبذب في خط سير الأمة الإسلامية، فقد سأل حذيفة بن اليمان الرسول (صلى الله عليه وسلم) قائلا: ((يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله، صفهم لنا. قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وأمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)) رواه البخاري.

فالأمة الإسلامية كما يشير الحديث يصيبها الشر فتهزل، ثم تعود إلى أصالتها، وقد تكون العودة مشوبة فيها دخن على حد قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) : ((وفيه دخن)) وقد يكون الانحراف هائلا، وذلك عندما يتسلط على رقاب هذه الأمة دعاة إلى أبواب جهنم، يدعون الناس إلى مذاهب كافرة، فمن استجاب لهم كان مصيره النار، وبئس القرار.

لقد ألمحنا من قبل إلى أن الرقي العظيم الذي رفع هذه الأمة هو أخذها بالدين الذي أنزله الله تبارك وتعالى، ثم التفافها حول هذا الدين فأصبحت أمة واحدة، فتشكلت من هذه الأمة قوة هائلة لا تغلب.

ويمكن أن نعيد تأخر المسلمين وانحطاطهم إلى قضية واحدة هي الفرقة التي فرقت وحدتها، فجعلتها أمما وشيعا وطوائف وتجمعات.

<<  <  ج: ص:  >  >>