للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن إصلاح الإنسان حسب فقهنا لكتاب الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) يتم بأمرين:

الأول: إصلاح الفرد، وذلك بإصلاح عقيدته وتصوراته وأفكاره وقيمه وأخلاقه وموازينه.

والثاني: إصلاح المجتمع الإنساني بإصلاح علاقاته ونظمه وقوانينه.

وإذا أنت تأملت سيرة المصطفي (صلى الله عليه وسلم) رأيت عنايته كانت منصبة في المرحلة المكية على تحقيق الأمر الأول ألا وهو إصلاح الفرد، بينما كانت عنايته متجهة في المرحلة المدنية إلى تحقيق الأمر الثاني، وما أَسْلَمَ صلوات الله عليه الروح لبارئها، إلا بعد أن قام المجتمع المسلم الصالح الذي يقوم على أفراد صالحين.

لقد نجح الإسلام في إقامة مجتمع صالح، استنارت بصائر أفراده، وصلحت عقائدهم، واستقامت أخلاقهم، وأحكمت العلاقات فيما بينهم، وكانت الدينونة فيه لله وحده، وكان حاكم المسلمين فيه واحدا منهم، يخضع لسلطات الشريعة كما يخضعون، ويحاسب كما يحاسبون، ونسج الإسلام من ذلك المجتمع وحدة، كانت آصرتها الدين، ولحمتها التقي، وهدفها تحقيق العدل في ربوع الأرض بمنهج الحق، وساح المسلمون في المشارق والمغارب ينشرون دين الله، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وتحطمت القوي الجاهلية الجبارة أمام المد الإسلامي المتماسك، وأصبحت الدولة الإسلامية هي الدولة العظمى إلى أمد ليس بالقصير، وصدق الله في هذه الأمة قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} . (١) .

لقد كان العرب في جزيرة العرب حيارى تائهين ضالين يسلب قويهم ضعيفهم، ويقتل بعضهم بعضا، لا دين يجمعهم، ولا ملك يوحدهم، فغيروا ما بهم من أمراض، وأصلحوا نفوسهم وأمتهم بالدين، فارتقوا إلى مرتبة لم يسبقهم فيها سابق، ولم يلحقهم فيها لاحق، وكانوا كما قال الحق تبارك وتعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} . (٢)

لقد أنجز الله لهم ما وعدهم فاستخلفهم في الأرض، ومكن لهم دينهم الذي هو سبب عزهم وذكرهم، عندما أنجزوا ما شرطه الله عليهم {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} . (٣)

ولا نزال إلى اليوم ننعم ببقية صلاح الأجيال الأولى التي حملت الإسلام، فعلي الرغم من البلايا والزرايا التي تعرض لها الإسلام من أعدائه وحكامه عبر تاريخ المسلمين الطويل، إلا أن الإسلام لا يزال له وجود ظاهر، وحملته من المسلمين منتشرون في كل مكان.


(١) الرعد: الآية (١١)
(٢) آل عمران: (١١٠)
(٣) النور: (٥٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>