للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد أقامت كثير من الأمم حضارات راقية في المجال المادي، ولكنها أقامتها على أسس ظالمة، فأتي الله بنيانهم من القواعد، ودمر ما كانوا يعرشون {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} . (١) {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} . (٢) {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (١٢) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (١٣) قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} (٣)

ارتقاء أمة الإسلام إلى المكانة الفضلي

حقق المسلمون –بفضل الله ورحمته- في عالم البشر الرقي العظيم الذي أصبحوا به خير أمة أخرجت للناس.

ويمكننا أن نلخص العوامل التي أوصلتهم إلى هذا الرقي في عبارة واحدة: (لقد حققوا الهدف الذي خلقهم الله من أجله إلا وهو العبودية لله العظيم) {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} . (٤) .

ومن أجل تحقيق هذا الهدف العظيم أنزل الله كتابه، وأرسل رسله، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} . (٥) ويحقق البشر العبودية لله في عالمهم عندما يرضون بالله إلها معبودا، ويتخذون دينه الذي أنزل منهجا يستمدون منه عقيدتهم وأخلاقهم وتشريعه، فالدين الذي أنزله الله منهج يقيم العباد على النحو الذي يريده الله تبارك وتعالى، وهو نظام كامل يصوغ حياة البشر صياغة إلهية ربانية، لذا فإن العبارة التي تقول: (إن الإسلام منهج الحياة) تلخص القضية بأوجز عبارة وأوضحها.

وتتحقق العبودية باتخاذ الإسلام منهج حياة يحقق الصلاح للنوع الإنساني في داخل نفسه وفي مجتمعه، ولذلك لم يبعد الذين قالوا: إن غاية الدين الذي أنزله الحق –تبارك وتعالى- هي إصلاح النوع الإنساني، وقطع دابر الفساد عن الحقيقة، فقد قال شعيب لقومه: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} . (٦) . وذم الله المفسدين في الأرض: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} . (٧) . {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} . (٨)


(١) سورة الحج: الآية (٤٥)
(٢) سورة الحج: الآية (٤٨)
(٣) سورةالأنبياء: الآية (١١-١٤)
(٤) الذريات: (٥٦)
(٥) الأنبياء: (٢٥)
(٦) هود: (٨٨)
(٧) البقرة: (٢٠٥)
(٨) القصص: (٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>