للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثا: الفرقة السياسية:

الأمة الإسلامية أمة واحدة، يجمعها إطار سياسي واحد، ويحكمها حاكم واحد، هكذا علمنا الإسلام.

وافترقت الأمة الإسلامية في نهاية حكم الخلفاء الراشدين، ولكنها استردت وحدتها، وأول فرقة سياسية وقعت واستمرت كانت بعد انهيار الدولة الأموية، حيث حكم العباسيون في الشرق، وحكم الأمويون في الأندلس، ولكن لا تمض بضع مئات من السنين حتى تفرقت كلتا الدولتين إلى دول كثيرة، وقام على كل دولة حاكم وزعيم، إلا أن الخليفة بقي في عاصمة الخلافة رمزا للكيان السياسي الذي يحكم الأمة الإسلامية، ولكنه لم يكن يملك من الأمر الكثير، وكان يحكم باسمه في كثير من الأحيان، بل كان يعزل ويولي غيره بإراده الذين لا يريدون بالأمة خيرا.

ثم إن الرمز الذي كان يلوح في عاصمة الخلافة زال وتلاشى، غير أن الاسم الذي يمثل الكيان السياسي للمسلمين استمر، ولم يُقْضَ عليه إلا منذ عهد قريب عندما اجتمعت على تركيا المسلمة جيوش الأعداء ومكر المنافقين، ولم يرضوا منها إلا أن تتنازل عن الشريعة التي كانت تحكم بقاياها تلك الدول، واشترطوا عليها إلغاء الخلافة الإسلامية، ومنصب شيخ الإسلام، وما تركوها حتى غيروا الحروف العربية إلى الحروف اللاتينية. ووضعوا القبعة فوق رؤوسهم بدل العمامة، وسلخوا الولايات الإسلامية التي كانت تابعة لدولة الخلافة، وتجزأ العالم الإسلامي إلى دول كثيرة ضعيفة هزيلة، ونالت هذه الدول استقلالها ولكنها لم تنهض من كبوتها، ولم تملك زمام الأمور في بلادها. وهذه الطريقة التي سلكها أعداؤنا معنا طريقة قديمة معروفة، استخدمها المستعمرون منذ ألوف السنين، فقد ذكر ابن كثير في (البداية والنهاية) أن الإسكندر المقدوني اليوناني عندما غلب على ملك الفرس (دارا بن دارا) وأذل مملكته وخرب بلاده، واستباح بيضة قومه، ونهب حواصله، وفرق شمل الفرس شذر مذره، وضع خطة تبقي الفرس ضعفاء لا تقوم لهم قائمة، كي يبقي له السيطرة عليهم ويأمن من انتفاضتهم عليه ومحاربتهم له، يقول ابن كثير موضحا ما فعله هذا الرجل الداهية بالفرس: (عزم أن لا يجتمع لهم بعد ذلك شمل، ولا يلتئم لهم أمر، فجعل يقر كل ملك على طائفة من الناس في إقليم الأرض ما بين عربها وعجمها، فاستمر كل ملك منهم يحمي حوزته، ويحفظ حصته، ويستغل محلته، فإذا هلك قام ولده من بعده، أو أحد قومه، فاستمر الأمر كذلك قريبا من خمسمائة سنة، حتى كان أزدشير بن بابك من بني ساسان بن بهمن، فأعاد ملكهم إلى ما كان عليه، ورجعت الممالك برمتها إليه، وأزال ممالك الطوائف، ولم يبق منهم تالد ولا طارف....) (١)


(١) البداية والنهاية ٢/ ١٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>