للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قارن بين ما فعله الإسكندر في الماضي البعيد بما فعله الكفار بدولتنا الإسلامية تجد التخطيط واحدا والنتائج واحدة، بل إن الحال معنا أشد وأقسي، فإننا لم نعط الاستقلال إلا بعد أن أخذت علينا العهود والمواثيق بأن لا نعود إلى تحكيم الشريعة الإسلامية، ولا نقيم الكيان السياسي الإسلامي، كتب اللورد كرومر في الفصل الأخير من كتابه (مصر الحديثة) الصادر في سنة ١٩٠٨م (إن انجلترا كانت مستعدة لتمنح الحرية السياسية النهائية لكل ممتلكاتها المستعمرة حالما يكون جيل من المفكرين والسياسيين المشحونين بمثل الثقافة الإنجليزية عن طريق التربية الإنجليزية مستعدا للاضطلاع بالأمور، ولكن الحكومة الإنجليزية لن تسمح بحال من الأحوال بقيام دولة إسلامية مستقلة، ولو للحظة واحدة) .

أثر إثارة النعرات والعصبيات

في الفرقة السياسية

ولا يفوتني –قبل أن أنهي الحديث عن الفرقة والاختلاف- أن أتعرض إلى مرض خطير كان ولا يزال يعمل على تفتيت وحدة المسلمين السياسية، ألا وهو العصبيات التي تثور بين الفينة والفينة في المجتمعات الإسلامية.

إن الإسلام جعل الرابطة التي تجمع المسلمين وتوحدهم هي الإسلام. وقد قامت دولة الإسلام على أساس الجامعة الإسلامية، وانصهرت في بوتقة هذه الجامعة العصبية للجنس واللون والوطن والنسب، وأصبح التنادي بين المسلمين للتجمع على أساس غير أساس الرابطة الإسلامية يعد دعوة جاهلية مقيتة، فقد قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأبي ذر عندما عير رجلا بسواد أمه: ((إنك امرؤ فيك جاهلية)) وقد حذر الرسول (صلى الله عليه وسلم) من هذه العصبيات المقيتة، ففي حديث جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((من قتل تحت راية عمية يدعو لعصبية، أو ينصر عصبية فقتله جاهلية)) . أخرجه مسلم والنسائي.

وفي سنن أبي داود عن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية)) .

وعندما اختلف رجلان من المهاجرين والأنصار فتناديا يا للمهاجرين، يا للأنصار، وهب كل فريق لنصرة صاحبه، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((ما هذا؟ أدعوى أهل الجاهلية؟)) رواه مسلم في صحيحه. وفي رواية أخري عند مسلم: ((دعوها فإنها منتنة)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>