للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الإسلام لا يلغي الانتماءات للأوطان والقبائل والشعوب، ولكنه لا يسمح أن تجعل لغير ما أراد الله له، إن حكمة الله اقتضت تقسيم البشر إلى شعوب وقبائل للتعارف لا للتفاضل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} . (١)

إن الآصرة التي تجمع المسلمين هي الإسلام، وفي ظل هذه الآصرة تتجمع القبائل والشعوب، وسعي المرء في شأن قومه وأهله من الفضائل التي يحمد الإسلام أصحابها، ولكن الإسلام لا يرضي أن ينصر المرء قومه أو بني عشيرته/ أو الذين يشاركونه في اللون محقين أو ظالمين، إن الإسلام قبل مقولة أهل الجاهلية (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) ولكنه رفض التفسير الجاهلي لهذه المقولة، وأعطى تفسيرا مضادا لتفسير الجاهلية، ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((لينصر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما، إن كان ظالما فلينهه، فإن له نصر وإن كان مظلوما فلينصره)) .

إن نصرة المرء قومه عصبية لهم جريمة كبرى في المجتمع الإسلامي، في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((من نصر قومه على غير حق، فهو كالبعير الذي ردي في مهواة، فهو ينزع بذنبه)) والمهواة: الحفرة من الأرض، وكل مهلكة مهواة، والتردي الوقوع من علو.

وقد ثارت العصبيات في القرن الأخير، وحطمت الرابطة الإسلامية والدولة الإسلامية، فدعا الأتراك إلى التركية، والأكراد تنادوا إلى الكردية، وفعل مثل ذلك البربر والعرب، ثم جاءت الدعوة إلى الأوطان، فكل قوم يعيشون على بقعة من الأرض أقاموا عصبية منتمية إلى تلك البقعة، وقامت دعوات تدعو إلى الاعتزاز بالفرعونية والآشورية والفارسية، وقطع الترك كثيرا من الحبال التي كانت تربطهم بالإسلام، وأصبح العالم الإسلامي على الصورة الكئيبة التي نراها عليه اليوم.


(١) الحجرات: (١٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>