للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنجاب في القرآن:

لم يأت في كتاب الله تعالى ما هو نص في هذا الموضوع، بل جاء ما هو أشمل وأعم، وما يمكن أن نعتبره إطارًا لبحث الموضوع وفهمه، من ذلك:

١- قضية خلق البنين والحفدة، وإن هذا الخلق بقدر من الله وحده لا شريك له، ولا دخل للعبد المخلوق فيه، فهذه حينئذ قضية إيمانية مسلمة وبديهية لدى المؤمنين عالمهم وجاهلهم، كقوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} . وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} وقوله تعالى: {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} فالواهب للذرية والمانع هو الخالق تعالى وليس للإنسان في ذلك دخل ولا طول.

قال الإمام ابن العربي: " لا خلاف بين أهل السنة في أن الأمور تجري على قضاء الله وقدره وعلم سابق وقضاء مقدم، وإن كان علقها بالأسباب، فلاحظ للأسباب فيها إلا أنها علامات على وجود ما قدر وعلم وخلق، فأما أن يكون لها تأثير أو ينسب إليها عمل فلا سبيل في التوحيد إلى ذلك " (١) قلت: أراد ابن العربي بهذا الكلام وهو يتحدث عن حكم العزل عن المرأة أن يستبعد كل الأوهام التي قد تعتبر أن العزل إبطال للخلق أو تعرض للقدر وقد جاءت جميع نصوص السنة في موضوع العزل تقر هذه الحقيقة على النحو الذي قررها القرآن الكريم، وكل من الكتاب والسنة وحي من رب العالمين رب السماوات والأرض قال تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} (٢)

٢- إن الذرية أمانة ومسئولية باعتبار أنهم من زينة الحياة {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وباعتبار أنهم من مفاتن الحياة {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} وباعتبار أنهم في رعاية خالقهم ورازقهم {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم خشية إمْلاَقٍ} وباعتبار ما في هذه المسؤولية من مزالق {لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} .

وما ورد في كتاب الله تعالى من هذه الآيات وغيرها كاف لنعلم أن النسل والذرية إنما هو إعداد ومسؤولية خطيرة وليس كثرة بها يكثر الطغام والتشتيت والضياع.


(١) أنظر: عارضة الأحوذي: ٧٥/٥-٧٦ (ط دار الكتاب العربي بيروت) .
(٢) ٤٩-٥٠/الشورى.

<<  <  ج: ص:  >  >>