للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ مصطفى كمال التارزي:

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أشكر أصحاب الفضيلة الذين كتبوا في هذا الموضوع وبودي أن أضيف بعض بيانات حول تحديد النسل الجماعي، لقد بينت في أول البحث الذي قدمته إلى مجمعكم الموقر أن المنع الفردي للنسل بالعزل أو بغيره من الوسائل هو ترك الأفضل أو فعل المكروه، وإذا وجد موجبه عند الفرد كان العزل مباحا على مقدار هذه الرخصة الفردية، والسؤال المطروح: هل يجوز الفقه الإسلامي قياس الرخصة الجماعية لأمة من الأمم أو لدولة من الدول على الرخصة الفردية في منع الحمل وتحديد النسل ولو لمدة معينة حتى يزول المانع؟ المعروف عند الفقهاء أن الرخصة الفردية محدودة بحدود الضرورة، والضرورة تقدر بقدر نسبة لكل واحد حدة حسب ظروفه المادية والمعنوية، فإذا أبيح التحديد فإنما يباح للشخص الذي كانت عنده رخصه ولا يباح كقاعدة عامة تعم جميع الناس في بلد أو إقليم فينتفع بالإباحة صاحب الرخصة وغيره؛ ولهذا فإن من قاس تحديد النسل على العزل فقد أخطأ إذ هو قياس مع وجود الفارق والقاعدة في القياس اتفاق المقيس مع المقيس عليه من جميع الوجوه، ولا يوجد في الفقه الإسلامي ما يجعل الرخصة جماعية إذ من المقررات الشرعية أن المباح بالشخص أو بالجزء يكون إما مطلوبا بالكل أو ممنوعا بالكل على حسب موافقته المبادئ الكلية المكررة في الشريعة أو مناقضتها، فإن كان خادما للمبادئ الشرعية الثابتة كان مطلوبا بالكل مباحا بالجزء، وإن كان مناقضا للمبادئ الكلية العامة كان مباحا بالجزء حراما بالكل، وقد بين هذا الموضوع الشاطبي في الموافقات بيانا شافيا.

وبهذا نعلم أن الشرع الإسلامي لا يجوز منع النسل بالكل ولا يبيحه كأمر عام بدون قيود؛ لأن اعتبار حق الأمة في الولد حق تقرره الشريعة الإسلامية لحفظ كيانها ولنهوضها القومي، أما معاكسة الطبيعة في كف أجهزتها عن القيام بوظيفتها التي خلقت لها مما لا تقره الشريعة الإسلامية والله سبحانه وتعالى يقول: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: ٥٠] .

فالتحديد الجماعي لا تجوزه الشريعة الإسلامية ولا تبيحه مهما كانت الأعذار، ولا تحدد الأولاد الذين ينبغي أن تنجبهم الأسرة؛ لأن الحكمة في عدم تحديد العدد الأقصى للأولاد ما دام ذلك يتعلق بالاختيار الإنساني في الأسرة وقدرة كل أسرة على تربية الأولاد تربية واعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>