للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموضوع في الواقع له عدة جوانب والناس والأمة الإسلامية في انتظار الحكم الواضح في كل قضية من القضايا مفصلة هنالك جانب منع الإخصاب والتوقي من الحمل والذي كان يسمى بالعزل في القديم، هنالك جانب ثان وهو جانب منع الإخصاب ولكن ليس بصورة العزل يعني قبل أن يبلغ ماء الرجل المحل " الرحم "، وإنما بعد ذلك فهذه العملية عملية منع الإخصاب ولكن هذه المرة داخل الرحم لا خارجه، وهنالك عملية القضاء على ما تم من إخصاب في فترة من فترات الإخصاب وهو ما يسمى بالإجهاض سواء كان في مرحلة أولى أو في مرحلة ثانية من مراحل الحمل , القضية لها دواع ففي السنة الشريفة وقد تتبعت جل دواوين السنة وجمعت ما فيها من أحاديث فبلغت في هذا الجمع ستة وثمانين حديثا هي أحاديث مقبولة مختلفة الدرجة فيها الصحيح، وفيها الحسن، وفيها المقول في سنده، ولكنها مع ذلك ومع كثرتها كما يعرف أهل الصناعة هي متعاضدة الأحاديث ولكن تعدد هذه الأحاديث قد أفاد شيئا آخر جانبا آخر لمن يتتبعها هو جانب الحياة الاجتماعية وجانب الداعي الذي كان يدعو الصحابة رضوان الله عليهم لسؤال الرسول ولممارسة العزل فكانت قضايا مع زوجات، وكانت قضايا مع سرايا ومع إماء حينئذ الحاجة تدعو إلى هذا العزل، وكان الرسول يجيب فيما يقارب الثمانين حديثا بالجواز وفيها الصحيح المتفق عليه كحديث جابر ولكن هنالك أحاديث أخرى كانت معارضة لهذه الأحاديث وهي عبارة عن ستة أحاديث أو ما يقارب هذا وأصحها حديث مسلم الذي روته جدامة أو جذامة على روايتين بنت وهب والذي تحدث فيه الرسول عن الغيلة وبين أنه كاد أن يمنعها ولكنه رأى أنها لا تضر أبناء فارس ولا الروم، تقول الصحابية الجليلة جذامة: وسئل صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال: ((هو الموءودة الصغرى)) لكن هذا الحديث في الواقع وإن كان صحيحا هو معارض لعدة أحاديث أخرى صحيحة ومعارض أيضا بحديث يعارضه تقريبا نصا بنص وهو أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن اليهود، وأنهم يزعمون أن العزل هو الموءودة الصغرى، فقال صلى الله عليه وسلم: ((كذبت اليهود إن الله إذا أراد أن يخلقه - أي المولود - لم يمنعه)) أي لم يمنعه شيء في حديث جذامة، قد تولى علماء المسلمين من فقهاء قدامى ومن محدثين قد تولوا عملية الترجيح وعملية الجمع بما هم أهل له ورأينا أن الموضوع قد قتل بحثا وأن على علماء العصر أن يتتبعوا ما تم من سلفهم الصالح ليكملوا وليوائموا بين حاجات العصر وبين مقتضيات هذه الأحكام الشرعية حينئذ الحاجات بالنسبة للتوقي من الحمل أو بالنسبة للإسقاط والإجهاض متباينة ومختلفة من عصر إلى عصر ومن فرد إلى فرد، وبذلك دخلت هذه القضية وهي داخلة من أصلها في الأحوال الشخصية ولم يجز بعد ذلك أن تكون من الأحول العامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>