للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

د- صيغة الوعد لدى الفقهاء:

تكلم فقهاء المالكية عن صيغة الوعد فقد نقل عنهم ما معناه: أن العدة أن يقول الرجل مثلا: أنا أفعل كذا وكذا.. بصيغة الاستقبال. وأما إذا قال: قد فعلت كذا وكذا فهي عطية. وإن قال الواعد للموعود: لك كذا وكذا فقوله هذا أشبه بقوله قد فعلت منه بصيغة الاستقبال.

ومن هذا يفهم بأن الصيغة التي ينبغي أن يعمل بها في إنشاء الوعد هي صيغة الاستقبال المقرونة بأداة التنفيس، أما الصيغة الماضية: فهي لا تحمل إنشاء الوعد وإنما تفيد التنجيز في الحال. ومع ذلك لا يكون استعمال الفعل المضارع دائما يفيد الوعد، بل لابد لدلالته الوعد وجود القرائن في سياق اللفظ، فإذا كان الفعل المضارع والقرائن التي في سياق الكلام يفيد أن الالتزام جزما فليس بوعد، وأما إذا وجد مع المضارع ما يفيد إرادة المستقبل فإنه الوعد لا غير.

هـ- مشروعية الوعد: جاء في أحكام القرآن للجصاص: أن الوعد مباح فلكل شخص أن يعد بالمعروف والخير من يشاء من الناس، ولكن ينبغي أن يتحفظ الشخص في إطلاق الوعود للناس، لأن الوفاء بالوعد أمر مستقبل، والإنسان لا يملك معرفة أحواله المستقبلية. قال تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان ٣٤] : فقد يعجز الواعد عن الوفاء، فيخلف الوعد، فيوصم بخصلة من خصال النفاق. وقال الغزالي – رحمه الله- في الإحياء " إن اللسان سباق إلى الوعد ثم النفس ربما لا تسمح بالوفاء فيصير الوعد خلفا. وذلك من أمارات النفاق) .

وفي " المحلى " ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((ولا تعد أخاك وعدا فتخلفه، فإن ذلك يورث بينك وبينه عداوة)) .

ومن هذا وغيره نعلم أن الوعد مباح إنشاؤه في أصل الشرع، وممدوح إفشاؤه بين الناس وأن الوفاء به مأمور به، وإخلافه منهي عنه ... كما سنوضحه إن شاء الله، ولكنه قد يكون محرمًا كالوعد بالخمر أو الزنا أو الربا فالوفاء بهذا ونحوه محرم.

<<  <  ج: ص:  >  >>