للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرابحة الملزمة والتلفيق

اعتمد أنصار الإلزام بالوعد في المرابحة على التلفيق بين المذاهب، فاخذوا من الإمام الشافعي مرابحته، وتركوا له خياره، وأخذوا من المالكية وعدهم وتركوا لهم مرابحتهم، فقد رأى المالكية إمكان الإلزام القضائي بالواعد في تعض الحالات، فطبقه أنصار الإلزام على هذه الحالة، فخرجوا بنص فقهي لم يقل به فقيه.

وهذا التلفيق لم يكن من النوع الجائز، لما دخله من اعتراضات شرعية. وإذا شاع التلفيق في عصر ومصر، فلابد من وضع ضوابط له وحدود، وإلا لأمكن بالتدريج، لا سمح الله، استباحة كثير من المكروهات أو المحرمات.

ومعلوم في الشرع أنه قد يجمع بين أمرين، كل منهما جائز على انفراد، ولكن جمعهما حرام. فالسلف (= القرض) منفردا جائز، والبيع كذلك جائز، ولكن لم يجز الجمع بينهما، كما في السنة النبوية، لإفضاء هذا الجمع إلى محظور، وهو أخذ منفعة (= فائدة) السلف من ربح البيع (انظر كتابي: ربا القروض ص٢٢) .

ولم يعترف بعضهم بالتقليد والتلفيق بين المذاهب في هذه المسألة، مع أن ذلك واضح في فتاوى المفتين في المصارف والمؤتمرات وبحوث الباحثين، وقد كان حاضرا هذه الفتاوى والمؤتمرات، وكان من الواضح أن نص الإمام الشافعي قد حذفت من آخره القطعة التي فيها الحرمة الصريحة للإلزام، لتستبدل بها قطعة أخرى من المذهب المالكي فيها الإلزام في موضوع آخر. ولكن الكاتب ذكر أنه يجتهد ولا يقلد، وإن وافق مذهبا في جزء وغيره في جزء آخر (القرضاوي في مقاله ص١٢) . لاشك أن الاجتهاد في شيء سبق الاجتهاد فيه، إذا وصل صاحبه إلى رأي مخالف، عليه أن يرد على الاجتهادات كلها، ولا يصح تجاوزها وغض النظر عنها.

المرابحة الملزمة وخصم الأوراق التجارية

المرابحة المصرفية اقترحت في الأصل بديلًا لعملية خصم الأوراق التجارية (= الخصم المصرفي) (حمود: تطوير، ط ٢، ص٤٣٠ – ٤٣١) والموسوعة العلمية والعملية، ٥/٤٩٨ – ٥٠٠ و٥٠٦ و١/٢٨- ٢٩) . ولكنها بالإلزام لا تختلف عن الخصم إلا في أن المال فيها يمنحه المصرف الوسيط إلى الشاري، وفي الخصم إلى البائع. ففي كل منهما ثلاثة أطراف: بائع حقيقي، ومشتر حقيقي، ومصرف وسيط. وقد ذكر أصحاب المرابحة أن هذا الخط التمويلي أو الائتماني يبدأ من المستهلك لا من التاجر. مع ما في هذا من أن العميل قد يكون أيضا تاجرا لا مستهلكًا، وهو الغالب.

وإذا صح أنها تمويل استهلاكي ثلاثي الأطراف، فهي تشبه في الغرب نظام التمويل المعروف بـ" بطاقة الائتمان " credit card, carte de credit وتفصيل هذا في غير هذا الموضع.

وقد حاول بعضهم أن يجيب عن هذا بأن الخصم المصرفي مبادلة نقد بنقد والمرابحة سلعة بنقد (حسن الأمين ص٨٩، وأبو غدة ص.٢) . ولكن الناقد قد غفل عن أن تشبيه المرابحة بالخصم يختص بالمرابحة ذات الوعد الملزم، وهي التي تؤول إلى نقد بنقد أكثر منه، والسلعة لغو.

<<  <  ج: ص:  >  >>