للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل الوفاء بالوعد يصل إلى حد أنه مجرد مستحب؟ وإن إخلاف الوعد مكروه تنزيهًا أو خلاف الأولى؟ هذا يمكن إذا رجعنا إلى النصوص، إذا احتكمنا إلى الله ورسوله، القرآن والسنة مليئان بأن الوفاء بالوعد من الأمور الواجبة والتشديد في إخلاف الوعد والأحاديث محفوظة لكم، القرآن غير {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] وغير {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٢] هنا يقول {بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ} [التوبة: ٧٧] ما معنى هذا؟

{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [التوبة: ١١٤] يعني إبراهيم استجاز أن يستغفر لمشرك من أصحاب الجحيم من أجل الوعد السابق، إنه قال: سوف أستغفر لك ربي، يعني معناه أنه يرى أن الوعد لازم، طبعًا شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد نسخ، الإمام الغزالي ذكر الإخلاف بالوعد، جعله من المهلكات في روع المهلكات في الإحياء، وذكر في الآفات وذكر عليه أدلة عديدة من القرآن والسنة ومن أعمال الصحابة وهديهم، كما ذكر عن ابن عمر رضي الله عنه ذكر انه قال عند موته قال لهم أجلسوني ثم قال: إنه قال: قد كلمني رجل من قريش خطب إلي ابنتي، وكان لي منه شبه وعد، أشهدكم أني زوجتها منه حتى لا ألقى الله بثلث النفاق، هذه كانت نظرة الصحابة رضوان الله عليهم إلى المسألة، وعمر بن عبد العزيز وغيره من العلماء منهم ابن شبرمة الذي ذكره ابن حزم في المحلى ومنهم ابن الأشوع، الذي ذكره البخاري في صحيحه، وهو مذهب البخاري كما يبدو من ترجمته في الصحيح ومذهب شيخه إسحاق بن راهوية وهو ما ذكره ابن القيم في إعلام الموقعين حيث ذكر الوفاء بالشروط والعقود والعهود والوعود، كلها نظمها في سلك واحد، كما أن المسلمين عند شروطهم، فهم عند وعودهم أيضًا لأنهم لا يقولون ما لا يفعلون هذا أمر واضح فيما كتبه ابن القيم، فكيف نقول بعد هذا أن هذا أمر مكروه والحافظ ابن حجر قال: وجدت فيما ذكره أبي من إشكالات على الأذكار للنووي، وجدت بخط أبي أن أباه رضي الله عنه استشكل قال: كيف يقولون بأن اخلاف الوعد مكروه مع قوله تعالى {لِمَ تَقُولُونَ ... } [الصف: ٢] ومع ما جاء في الأحاديث ومع هذا الوعيد الشديد؟ فهذا استشكال يعني لا جواب له، فكل هذه الأدلة وما ذكره أيضًا ابن القيم وأضاف إليه في الوعود خاصة، أنك إذا قلت لابنك أعطيك شيئًا ولم تعطه كتب عليك كذبة، وغيره من الأحاديث.

ولذلك الذي يطمئن إليه قلب الإنسان المسلم بعد قراءة النصوص هذه كلها لا يمكن أن يراوده شك في أن الوفاء بالوعد واجب وفريضة من فرائض الدين وأن إخلافه من علامات النفاق. .

<<  <  ج: ص:  >  >>