للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا بالنسبة لأداء الديون. وأما بالنسبة لربط الأجور بقائمة الأسعار فقد رأيت أن الباحثين الذين كتبوا في هذا الموضوع بعضهم لم يتعرض لمسألة الأجور وبعضهم تعرضوا فقالوا: إن أداء الأجور على حسب قائمة الأسعار يختلف حكمه عن ربط الديون ما لم تصر الأجرة دينًا، فإن صارت دينًا فحكمها ربط الديون، وأنه لا يجوز وتفصيل ذلك أن ربط الأجور بقائمة الأسعار يمكن بثلاثة طرق.

الأول: أن يقع تعيين الأجور والمرتبات بالنقود عددًا، ويتعاهد العاقدان أن هذه الأجور تتزايد كل سنة بنسبة الزيادة في قائمة الأسعار وإن هذا الطريق يعمل به في كثير من البلاد، وإن مثل هذا الربط لا مانع منه شرعًا، لأن حاصله اتفاق الفريقين على تزايد الأجور والمرتبات كل سنة أو كل ستة أشهر لسنة معينة وإن هذه النسبة وإن لم تكن معلومة عند العقد، غير أن عيارها الذي تتعين النسبة على أساسه، معلوم، فانتفت شبهة الجهالة في قدر الزيادة.

والطريقة الثاني لربط الأجور بالأسعار: أن يقع تعيين الأجرة على أساس مبلغ معلوم من النقود، ولكن يشترط في العقد أن هذا المبلغ المعلوم ليس هو المرتب الواجب في الذمة، وإنما الواجب في الذمة ما يساوي هذا المبلغ عند انتهاء كل شهر حسب قائمة الأسعار. وحكمه الشرعي، فيما أرى، أنه يجوز أيضًا، بشرط أن تكون قائمة الأسعار، وطريق حسابها معلومًا لدى الفريقين علمًا لا يفضي إلى النزاع، لأن الفريقين قد اتفقا منذ بداية العقد على أن الأجرة ليست ألف روبية، وإنما الواجب ما يعادلها من الروبيات عند انتهاء الشهر حسب قائمة الأسعار، وهي معلومة منضبطة بطريق حسابي معلوم لدى الفريقين، فلا تقضي جهالة قدر الأجرة إلى المنازعة.

الطريق الثالث لربط الأجور بالأسعار: أن يقع تعيين الأجرة بمبلغ معلوم من النقود، ويشترط العاقدان أن هذا المبلغ هو الواجب في الذمة، وعليه انعقد الإجارة، ولكن يجب على المؤجر عند أداء الأجرة أن يزيد في هذا المبلغ بنسبة الزيادة في قائمة الأسعار يوم الأداء. وحكمه الشرعي، فيما أرى، حكم ربط الديون بالأسعار، وأنه لا يجوز شرعًا كما مر تفصيلًا، ولله الحمد.

والفرق بين هذه الصورة والصورة الثانية أن قائمة الأسعار إنما استخدمت في الصورة الثانية لتعيين الأجرة المتفق عليها، فإذا تعينت الأجرة على أساسها،انتهت وظيفة القائمة، وصارت الأجرة المعينة هي الواجب في الذمة إلى الأبد.

وأما في الصورة الثالثة، فالأجرة المقررة هي الألف روبية، فصارت الألف روبية دينًا على المؤجر، وإن هذا الدين قد ارتبط بقائمة الأسعار، فحكمه حكم ربط الدين بالأسعار، ولا نستطيع هنا أن نقول: إن قائمة الأسعار تؤدي دورها في تعيين الأجرة، لأن الأجرة يجب أن تكون معلومة عند العقد، أو في ثاني الحال، بحيث لا تقبل الزيادة والنقصان بعد ذلك. فإذا تعلقت الأجرة بشيء آخر إلى الأبد، بحيث تزيد بزيادته وتنقص بنقصانه، فإن ذلك أجرة مجهولة متراوحة لا تستقر على قدر معلوم، وإن هذه الجهالة تفسد عقد الإجارة، وهذا آخر ما أردت إيراده في هذا البحث.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>