للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعًا: إن الأصل في القروض وتأجيل الثمن في البيع أنها تبرع من الدائن إرفاقًا بالمدين. وهذا المعنى حرصت الشريعة الإسلامية على شيوعه بين المسلمين لكونه يشكل قاعدة أخلاقية رصينة في سوق التعامل، فهو ضرب من التعاون بين أفراد الأمة، لذلك جاء قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} ، مؤكدًا لهذا المعنى. وبناء عليه، فإن ربط الوفاء بتغير القيمة يذيب هذا المعنى ويجنح بنا إلى المادية التي يمقتها الإسلام أساسًا للتعامل.

خامسًا: ماذا نقول لأصحاب الدخل المحدود إذا أجزنا تغير الوفاء مع غير القيمة. فمرتباتهم ثابتة والسلع متغيرة الأثمان إلى الزيادة غالبًا. أليس من الظلم أن نطالبهم بأكثر مما اقترض بعضهم، أو بأن يدفع أكثر مما ثبت في ذمته؟

سادسًا: إذا كان بعض فقهائنا الأقدمين رحمهم الله أفتوا بتأثير الرخص والغلاء في قيمة الفلوس عند الوفاء، فذلك لأن هذه الفلوس لم ترتق في نظرهم إلى مصاف الأثمان، فضلًا عن أنه مخالف لرأي جماهير العلماء. كما أن أبا يوسف أجرى هذا المعنى في القرض والمهر دون سواهما، وأختار النقد يوم العقد وخالفه محمد في اعتباره يوم وجوب الوفاء. وهذا كما يلاحظ، يوهن من القول بربط الوفاء بتغير قيمة العملة الورقية. كما أن الرهوني اعتبر تغير القيمة الفاحش. ومن أين لنا هذا الضابط في أسواقنا المتأرجحة في تعاملها؟ هذا فضلًا عن أن رأي أبي يوسف وغيره ينبغي أن يفسر على أنه قيل في ظل مجتمع تسوده القيم والأخلاق في التعامل. ولم يقله في ظل أسواق تتلاعب بها الأهواء والنظريات والمد والجزر.

لذلك، فإن ما أراه أن لا يفتح مثل هذا الباب لما له من آثار اجتماعية ونفسية خطيرة، وحماية لروح الشريعة في التعاون والإحسان، فقد فضل النبي صلى الله عليه وسلم القرض على الصدقة، كما أن رأي الجمهور ليس من اليسير تجاوزه بدليل ضعيف لا يقوى على دفع رأيهم والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الدكتور على أحمد السالوس:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.

لا أريد أن أتحدث عن بحثي الذي قدمته، فقد قدم في العام الماضي وهو موجود في هذه الجلسة كذلك. ولكن أريد أن أعقب على بعض الأبحاث والأقوال التي ذكرت، وأن أبين بعض المحاذير لو أننا أخذنا بمثل هذه الأقوال. وأبدأ أيضًا بالتذكير بكلمة الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي بالأمس، حيث قال: إنه يجب على المجمع أن لا يعود فينقض ما أقره من قبل. وسنلاحظ أن بعض هذه الأقوال لا تنقض قرارًا واحدًا فحسب، بل تنقض أكثر من قرار.

أبدأ أولًا بالنظر في النصوص. موضوعنا هل فيه نص أم ليس فيه نص؟ وإن كنا نتحدث عن النقود الورقية – وقطعًا لم تكن النقود الورقية في عصر التشريع - - موضوعنا فيه أكثر من نص، فيه حديث ابن عمر " كنت أبيع الإبل بالنقيع "، بالنقيع كما صحح هذا شيخ الإسلام ابن تيمية، - وإن جاز الآخر – وهو يبين نصًّا أن الأخذ بالقيمة يوم الأداء لا يوم لزوم الدين، لا بأس إذا كان بسعر يومها. وهذا الحديث صحيح ورد من طرق متعددة. وأخذ به أكثر من إمام ووجدنا فتاوى في كثير من الكتب تبنى على هذا الحديث الشريف. ويضاف إلى هذا الحديث الشريف، فتوى ابن عمر، السائل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفهم منه عندما سئل عن كري له دنانير وليس معه هذه الدنانير، فقال: أعطوه بسعر السوق. كذلك حديث تمر خيبر، الذي يبين أن الأموال الربوية لا ينظر فيها إلى القيمة وإنما ينظر فيها إلى المثلية، المثلية في الكيل، لأن تمر خبير كما هو معروف إنه يمكن فعلًا أن ننتهي إلى نفس النتيجة، الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة، ولكن لا تفعل إنه عين الربا.

<<  <  ج: ص:  >  >>