للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أدلة الجمهور في اعتبار المنفعة مالًا:

استدل الجمهور على مذهبهم في اعتبار المنفعة مالًا بأدلة:

الأول – أن المنافع كالأعيان:

قاس الجمهور المنافع على الأعيان بجامع أن كُلًّا منهما مال، فيجب الضمان كما في الغصب والإتلاف.

وبيان ذلك: "أن المال اسم لما هو مخلوق لإقامة مصالحنا به مما هو عندنا، والمنافع منا أو من غيرنا بهذه الصفة، وإنما تعرف مالية الشيء بالتمول، والناس يعتادون تمول المنفعة بالتجارة فيها، فإن أعظم الناس تجارة الباعة، ورأس مالهم المنفعة، ومنه يتبين أن المنافع في المالية مثل الأعيان" (١) .

وقال المالكية: "المنافع متمولة يعاوض عليها" (٢) ، " والقياس أن تجري المنافع والأعيان مجرى واحدًا" (٣) .

ومن جانب آخر فإن المنفعة تصلح أن تكون صداقًا، وهذا دليل اعتبارها مالًا؛ لأن صحة الصداق أن يكون المسمى مالًا. ويجوز أخذ العوض عنها في الإجارة، وكذا منافع الحر مال يضمن بالإتلاف إلا أنه إذا حبس حرًا مجرد الحبس لا يضمن منافعه، لأنه لم يوجد من الحابس إتلاف منافعه، ولا إثبات يده عليه، بل منافع المحبوس في يده (٤) .

ويتبين أيضًا مثلية المنافع للأعيان بجامع المالية في كل في العقد الفاسد لأن الضمان بالعقد الفاسد يتقدر بالمثل شرعًا كما بالإتلاف، وهذا بخلاف رائحة المسك، فإن من اشتم مسك غيره لا يضمن شيئًا؛ لأن الرائحة ليست بمنفعة، ولكنها بخار يفوح من العين كدخان الحطب، ولهذا لا يملك بعقد الإجارة، حتى لو استأجر مسكًا ليشمه لا يجوز، ولا يضمن بالعقد أيضًا صحيحًا كان أو فاسدًا (٥) .


(١) نهاية المحتاج: ٥/١٦٩؛ والمبسوط: ١١/٧٨؛ والبدائع: ٧/١٤٦، وقد استدل السرخسي لمذهب الشافعية وهو مذهب الجمهور بأدلة وتفصيل لم نعثر على مثله في كتب الشافعية.
(٢) حاشية الدسوقي: ٣/٤٤٢.
(٣) بداية المجتهد، للإمام محمد بن أحمد رشد القرطبي: ٢/٣٢٢، الطبعة الثانية، مطبعة مصطفى الحلبي ١٣٧٠ هـ - ١٩٥٠م بمصر.
(٤) نهاية المحتاج: ٥/١٦٩؛ والمبسوط: ١١/٧٨؛ والبدائع: ٧/١٤٦.
(٥) المبسوط: ١١/٧٩، وقد رد السرخسي على هذا بتفصيل في الموضوع المذكور فليراجع.

<<  <  ج: ص:  >  >>