للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أدلة الحنفية:

وقد استدل الحنفية لمذهبهم بأدلة عديدة، سنذكر أهمها مع مناقشتنا لما يمكن أن يتوجه للدليل من إيراد:

أولًا – أن المنفعة ليست مالًا متقومًا:

قال الحنفية: إن المنفعة ليست بمال متقوم، لذا لا تضمن بالإتلاف كالخمر والميتة، وبيان ذلك: أن صفة المالية للشيء إنما تثبت بالتمول والتمول صيانة الشيء وادِّخاره لوقت الحاجة، والمنافع لا تبقى وقتين، ولكنها أعراض كما تخرج من حيز العدم إلى حيز الوجود تتلاشى، فلا يتصور فيها التمول، وعلل لذلك، بأن المتقوم لا يسبق الوجود فإن المعدوم لا يوصف بأنه متقوم، إذ المعدوم ليس بشيء.

وبعد الوجود التقوم لا يسبق الإحراز، والإحراز بعد الوجود لا يتحقق فيما لا يبقى وقتين، فكيف يكون متقومًا. وعلى هذا قالوا: "الإتلاف لا يتصور في المنفعة" (١) .

وقال صدر الشريعة: " لا تضمن المنافع بالمال المتقوم، لأنها غير متقومة، إذ لا تقوم بلا إحراز، ولا إحراز بلا بقاء، ولا بقاء للأعراض" (٢) .

وقد يرد على كلام السرخسي وصدر الشريعة: بأن المنفعة متمول، ودليل تمولها اعتياد الناس واعتبارهم لها في تجاراتهم ومعايشهم.

والمنفعة باقية ما بقيت العين، وتجددها مستمر لبقاء العين، وأيضًا فإن الإتلاف متصور في المنافع، وقد أقر بذلك الحنفية أنفسهم في قولهم: "إن إتلاف المنافع لا يضمن ما لم يكن بعقد أو شبهة عقد" (٣) . وعدم ضمانها عندهم لا لعدم تصورها وإنما لإهمالها، وكلامهم في فروع المسألة دليل على اعتبار وجودها.


(١) المبسوط: ١١/٧٩؛ والبدائع: ٧/١٤٦.
(٢) التنقيح وشروحه: ٢/٩٨.
(٣) المبسوط: ١١/٧٩؛ والبدائع: ٧/١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>