للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا – أن المنفعة لا تماثل العين:

قال السرخسي: "لئن سلمنا أن المنفعة مال متقوم، فهو دون الأعيان في المالية، وضمان العدوان مقدر بالمثل بالنص. ألا ترى أن المال لا يضمن بالنسبة والدين لا يضمن بالعين؛ لأنه فوقه فكذلك المنفعة لا تضمن بالعين؟

ثم فصل دليله فقال: إن المنفعة عرض يقوم بالعين، والعين جوهر يقوم به العرض، ولا يخفى على أحد التفاوت بينهما، والمنافع لا تبقى وقتين والعين تبقى أوقاتًا وبين ما يبقى وما لا يبقى تفاوت عظيم، والعين لا تضمن بالمنفعة قط، ومن ضرورة كون الشيء مثلًا لغيره أن يكون ذلك الغير مثلًا له أيضًا، والمنفعة لا تضمن بالمنفعة عند الإتلاف، والمماثلة بين المنفعة والمنفعة أظهر من المماثلة بين العين والمنفعة. وبهذا فارق ضمان العقد فإنه غير مبنى على المماثلة باعتبار الأصل. بل على المراضاة وكيف ينبني على المماثلة والمقصود بالعقد طلب الربح (١) .

وقد يرد على السرخسي بأنه لا يلزم من كون المنفعة دون الأعيان وأنها ليست مثلًا لها، وأنها عرض من أن تكون مالًا ومتقومة، ثم إنَّ محل النزاع ليس في مماثلتها للأعيان أو عدمه، وإنما هو في ماليتها وتقومها.

وأيضًا لا يسلم للسرخسي أن المنافع دون الأعيان مطلقًا، إذ الأعيان تقوّم بالمنفعة، وإنما يتوصل بالأعيان إلى المنافع، فالمقصود منافع الأعيان لا ذاتها.

ثم أراد أن يرتب الظلم عند عدم إسقاط التفاوت بين العين والمنفعة.

ففال السرخسي في معرض الكلام على الغصب: "ضمان العقد مشروع وفي المشروع يعتبر الوسع والإمكان، ولهذا يجب الضمان باعتبار التراضي فاسدًا كان العقد أو جائزًا فيسقط اعتبار التفاوت الذي ليس فيوسعنا الاحتزار عنه في ضمان العقد. فأما الإتلاف فمحظور غير مشروع وضمانه مقدر بالمثل بالنص فلا يجوز إيجاب الزيادة على قدر المتلف بسبب الإتلاف (٢) .

ويتبادر إلى الذهن اعتراض على كلام السرخسي هذا، وقد ذكر السرخسي نفسه. فإن قيل يسقط اعتبار هذا التفاوت لدفع الظلم والزجر عن إتلاف منافع أموال الناس ولأن المتلف عليه مظلوم يسقط حقه إذا اعتبر هذا التفاوت، ومراعاة جانب المظلوم أولى من مراعاة جانب الظالم. مع أن هذا التفاوت بزيادة وصف لو لم نعتبره سقط به حق المتلف عن الصفة ولو اعتبرناه أسقطنا حق المتلف عليه عن أصل المالية وإذا لم يكن بد من إهدار أحدهما فإهدار الصفة أولى من إهدار الأصل (٣) .


(١) المبسوط: ١١/٨.
(٢) المبسوط: ١١/٧٨.
(٣) المبسوط: ١١/٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>