للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم رد السرخسي على هذا الإيراد – ولم يوفق في رأينا في هذا الرد – حين قال: قد أوجبنا للزجر التعزيز والحبس، فأما وجوب الضمان للجبران فيتقدر بالمثل على وجه لا يجوز الزيادة عليه. والظالم لا يظلم بل ينتصف منه مع قيام حرمة مال، ولو أوجبنا عليه زيادة على ما أتلف كان ذلك ظلمًا مضافًا إلى الشرع، لأن الموجب هو الشرع وذلك لا يجوز، وإذا لم يوجب الضمان لتعذُّر إيجاب المثل كان ذلك لضرورة ثابتة في حقنا وهو أنا لا نقدر على القضاء بالمثل وذلك مستقيم مع أن حق المظلوم لا يهدر بل يتأخر إلى الآخرة. ولو أوجبنا الزيادة صارت تلك الزيادة هدرًا في حق المتلف فيبطل حقه عنه أصلًا فكان ما قلناه من اعتبار المماثلة والكف عن القضاء بالضمان بدون اعتبار المماثلة أعدل من هذا الوجه (١) .

وقد يرد على كلام السرخسي: بأنه لا يكفي في تحقيق العدل الزجر والعزيز مادام الغاصب قد استفاد يقينًا بغير وجه حق من منفعة مملوكة للغير ويمكن تقديرها بمال، فيؤخذ منه بقدر ما أخذ، ثم إنَّ ما يؤخذ منه ليس انتهاكًا لحرمة ماله، إذ لم يؤخذ منه زيادة على ما أخذ، وليس في هذا ظلم على الغاصب، بل خلافه هو ظلم على المالك لا ينبغي نسبته إلى الشرع، وما دام القضاء بأجر المثل أو غيره، مقدورًا غير معسور فإنه لا يسقط حفظًا للحقوق.


(١) المبسوط: ١١/٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>