للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مبنى الخلاف بين الجمهور والحنفية:

إن مبنى الخلاف في غصب المنفعة يرجع عند التحقيق إلى الخلاف في مفهوم المنفعة. وفي مفهوم الغصب، والثاني هو الذي يعنينا بيانه ههنا.

* فالجمهور يرون أن الغصب هو: "الاستيلاء على حق الغير عدوانًا"، وكما قال الماوردي: هو منع الإنسان من ملكه والتصرف فيه بغير استحقاق فيكمل الغصب بالمنع والتصرف، فإن منع ولم يتصرف كان تعديًّا، وتعلق به ضمان، لأنه تعدٍّ على المالك دون الملك، وإن تصرف ولم يمنع كان تعديًّا، وتعلق به ضمان، لأنه تعد على الملك دون المالك، فإذا جمع بين المنع والتصرف تم الغصب، ولزم الضمان سواء نقل المغصوب عن محله أم لا (١) .

* وعند الحنفية هو: "أخذ مال متقوم محتوم من يد مالكه بلا إذنه لا خفية" (٢) . فلا يتم الغصب عند أبي حنيفة إلا بالنقل والتحويل – كما سبقت الإشارة – فإن كان مما لا ينتقل كالدور والعقار لم يصح غصبه، ولم يضمن، وكذا المنفعة ليست مالًا متقومًا حتى يمكن نقلها.

ويفهم من قيد الحنفية في تعريف الغصب في قولهم: "من يد مالكه بلا إذنه". "أن إزالة يد المالك معتبرة في الغصب، وتبعًا لتعريف الشافعية إزالة يد العدوان".

"وعلى هذا فإن ثمرة الخلاف تظهر في زوائد المغصوب كولد المغصوبة وثمرة البستان فإنها ليست بمضمونة عند الحنفية لعدم إزالة اليد، وعند الشافعية مضمونة لإثبات اليد، فالمعتبر في الغصب عند الحنفية إزالة اليد المحقة وإثبات اليد المبطلة، وعند الشافعية المعتبر إثبات اليد المبطلة" (٣) .

وعلى هذا فإن مفهوم الغصب أعم وأشمل عند الجمهور عنه عند الحنفية، ومقتضى تعريف الجمهور شموله"سائر الحقوق والاختصاصات" (٤) ، والمنفعة عند الجمهور مال لا يجوز الاعتداء عليه فبغصبها يتقرر الضمان.


(١) نهاية المحتاج: ٥/١٤٢؛ وحاشية الدسوقي: ٣/٤٤٢؛ وجواهر الإكليل: ٢/١٤٨؛ ومواهب الجليل: ٥/٢٧٤؛ والمغني: ٥/٣٧٤.
(٢) درر الحكام في شرح غرر الأحكام، للإمام محمد بن فراموز الشهير بمنلا خسرو: ٢/٢٦٢، طبع نور عثمانية ١٩٧٠م استانبول.
(٣) درر الحكام: ٢/٢٦٢.
(٤) نهاية المحتاج: ٥/١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>