للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختلف رأي الحنفية في ذلك، قال السرخسي: لا ضمان عليه في قول أبي حنيفة، وأبى يوسف الآخر، وعند محمد وفي قول أبي يوسف الأول يضمن، وهو قول الشافعي، أما الشافعي فقد سار على أصله في تحديد الغصب بأنه إثبات اليد على مال الغير بغير إذن مالكه، وهذا يوجد في العقار كما يوجد في المنقول، وأما محمد فقد سار على أصله في حد الغصب: أنه إزالة يد المالك عن ماله، والفعل في المال ليس بشرط، وقد وجد تفويت يد المالك عن العقار، لأن ذلك عبارة عن إخراج المال من أن يكون منتفعًا به في حق المالك، أو إعجاز المالك عن الانتفاع به، وهذا كما يوجد في المنقول يوجد في العقار، فيتحقق الغصب ... وأما أبو حنيفة وأبو يوسف فسارا على أصلهما: أن الغصب إزالة يد المالك عن ماله بفعل في المال، ولو يوجد في العقار.

والدليل على أن هذا شرط تحقيق الغصب الاستدلال بضمان الغصب، فإن أَخْذَ الضمان من الغاصب تفويت يده عنه بفعل في الضمان، فيستدعي وجود مثله منه في المغصوب، ليكون اعتداء بالمثل وعلى أنهما إن سلَّما تحقق الغصب في العقار، فالأصل في الغصب أن لا يكون سببًا لوجوب الضمان، لأن أخذ الضمان من الغاصب ماله عليه (١) .

لكن العقار يضمن عندهم في الأصح في حالات ثلاث في البيع والتسليم والحجور. قال في الدر المختار وشرحه: "والأصح أن العقار يضمن بالبيع والتسليم وكذلك بالحجور إذا كان العقار وديعة" (٢) .

واستثنى الحنفية من قاعدتهم في الغصب ثلاثة أمور؛ فقالوا بوجوب الضمان فيها ويكون بأجر المثل، وهذا اختيار المتأخرين منهم وهذه الثلاثة هي:

أولًا: إذا كان المغصوب وقفًا للسكن أو للاستغلال أو لغيرهما كالمسجد.

ثانيًا: إذا كان المغصوب مال يتيم.

قال في البزازية: "والفتوى في غصب دور الوقف وعقاره على الضمان كما في منافعه، وكذا اليتيم، والإمام ظهير الدين أفتى بأجر المثل في الوقف لا في اليتيم، ومن المشايخ من قال: إذا كان ضمانُ النقصان خيرًا لليتيم من أجر المثل يلزم على الغاصب، وإلا أجرَ المثل" (٣) .

وقال ابن عابدين في شأن اليتيم: "لا تردد في مال اليتيم، لأن منافعه تضمن بالغصب" (٤) .

ثالثًا: "إذا كان البناء معدًا للاستغلال بأن بناه صاحبه لذلك أو اشتراه لذلك. ويشترط عندهم علم المستعمل بكونه معدًا حتى يجب الأجر، وأن لا يكون المستعمل مشهورًا بالغصب " (٥) .


(١) انظر تفصيله في البدائع: ٧/١٤٦، ١٤٧.
(٢) الدار المختار وشرحه: ٥/١١٩.
(٣) الفتاوى البزازية، للإمام محمد بن محمد البزاز بهامش كتاب الفتاوى الهندية: ٥/٤٠٣، الطبعة الثانية الأميرية ١٣١٠ هـ بمصر، وحاشية ابن عابدين: ٦/٢٠٦.
(٤) حاشية ابن عابدين: ٥/١١٨.
(٥) حاشية ابن عابدين: ٥/١١٨.١٣١، ١٣٢، بتصرف.١

<<  <  ج: ص:  >  >>