للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينبني على عدم اعتبار المنافع أموالًا عند الحنفية أنه ليس على الغاصب في سكنى الدار وركوب الدابة أجر. وعللوا لذلك:

بأن الغاصب كان ضامنًا، ومعنى هذا أن ضمان العين باعتبار صفة المالية والتقوم، والمالية والتقوم في العين باعتبار منافعه، ولهذا تختلف قيمة العين باختلاف منفعته، فإذا اعتبرت المنفعة لإيجاب ضمان العين لا يمكن اعتبارها لإيجاب ضمانها مقصودًا. وقد قاس الحنفية ههنا المنفعة على الكسب، وينطبق على الكسب عندهم حكم حديث ((الخراج بالضمان)) فكذلك المنفعة.

لكن هذا مما لا يقول به أبو حنفية وأبو يوسف، "فإن الساكن غير ضامن للدار عندهما" (١) .

ولا يخفى أن صدر الاحتجاج والتعليل الذي ذكره السرخسي يمكن أن يكون حجة على مسلك الحنفية في المنفعة لا لهم، ولعل ذلك دعا السرخسي للقول: " والأصح بناء هذه المسألة على الأصل المتقدم ويعني به قوله: إن المنافع زوائد تحدث في العين شيئًا فشيئًا، وزوائد المغصوب لا يكون مضمونًا على الغاصب، فكذلك المنفعة" (٢) .

وأما اعتبار العلة في الخراج، هي الضمان وهو فهم الإمام أبي حنيفة من الحديث لذا قال: "إن الغاصب لا يضمن منافع المغصوب".

فقد ناقش السيوطي هذا الاحتجاج: فقال: ((إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بذلك في ضمان الملك، وجعل الخراج لمن هو مالكه إذا تلف تلف على ملكه، وهو المشتري، والغاصب لا يملك المغصوب)) (٣) .

وقال السيوطي أيضًا: "بأن الخراج، هو المنافع، جعلها لمن عليه الضمان، ولا خلاف أن الغاصب لا يملك المغصوب. بل إذا أتلفها فالخلاف في ضمانها عليه، فلا يتناول موضوع الخلاف" (٤) .

وعلل الكاساني لعدم الضمان في غصب العبد أو الدابة بأنه "لم يوجد تفويت يد المالك عن المنافع؛ لأنها أعراض تحدث شيئًا فشيئًا على حسب حدوث الزمان، فالمنفعة الحادثة على يد الغاصب لم تكن موجودة في يد المالك فلم يوجد تفويت يد المالك عنها، فلم يوجد الغصب " (٥) .

ولكن يشكل على رأي الحنفية هذا ما ينبغي أن يتخرج على أصلهم، فيما إذا غصب دارًا أو عقارًا فانهدم شيء من البناء، فإنه لا ضمان عليه؛ لأن الغصب لا يتم إلا بالنقل والتحويل، فإن كان مما لا ينقل كالدور والعقار لم يصح غصبه، ولم يضمن، استدلالًا: بأن غير المنقول مختص بالمنع دون التصرف، فصار كحبس الإنسان عن ملكه، لا يكون موجبًا لغصب ماله، ولأن المسروق لا يكون مسروقًا إلا بالنقل عن الحرز فكذا المغصوب (٦) . جاء في الدُّرِ وشرحه قوله: "والغصب إنما يتحقق فيما ينتقل، فلو أخذ عقارًا وهلك في يده بآفة سماوية لم يضمن" (٧) .


(١) المبسوط: ١١/٧٨.
(٢) المبسوط: ١١/٧٨.
(٣) الأشباه والنظائر: ص ١٣٦.
(٤) الأشباه والنظائر: ص ١٣٦
(٥) البدائع: ٧/١٤٥.
(٦) المجموع: ١٤/٦٤.
(٧) الدر المختار، شرح تنوير الأبصار على هامش حاشية ابن عابدين: ٥/١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>