للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثًا – العارية:

إذا كانت المنفعة بسبب العارية فذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن العارية – إضافة إلى أنها لا تورث – لا يجوز للمستعير أن يؤجر المستعار للغير خلافًا للمالكية.

قال في الاختيار: "وللمستعير أن يعيرها إن لم يختلف باختلاف المستعملين، وليس له إجارتها، فإن آجرها فهلكت ضمن " (١) .

وقال السيوطي: لا يجوز للمستعير أن يؤجر للغير، بل يستوفي المنفعة بنفسه أو وكيله، فإن أعاره فللمالك أن يرجع عليه بأجر المثل (٢) . ثم قال: "كل من مالك المنفعة فله الإجارة والإعارة. ومن ملك الانتفاع فليس له الإجارة قطعًا، ولا الإعارة في الأصح " (٣) .

وعلق ابن نجيم على عبارة السيوطي، فقال: وهذا يتخرج على قول الكرخي من أن الإعارة إباحة المنافع لا تملكيها، ثم قال: والمذهب عندنا أنها تمليك المنافع بغير عوض، فهي كالإجارة تمليك المنافع. وإنما لا يملك المستعير الإجارة لأنه ملك المنفعة بغير عوض فلا يملك أن يملكه ما بعوض، ولأنه لو ملك الإجارة لملك أكثر مما ملك ... (٤) .

وقال ابن رجب: "المستعير لا يملك نقل حقه من الانتفاع " (٥) .

وعللوا لذلك بأن العارية إباحة انتفاع فلا تنتقل إلى الغير، وهي عقد غير لازم ينفسخ بموت أحد المتعاقدين، أو جنونه، أو إغمائه (٦) .

وقال المالكية: "يصح ويندب إعارة شخص رشيد مالك للمنفعة وإن كان مستعيرًا" (٧) .

وقال أيضًا: "يصح أن يعير مالك المنفعة (المستعير) عينًا لأجل استيفاء منفعتها، ومحل الصحة ما لم يمنعه المالك" (٨) .

رابعًا – الوقف:

إذا وقف شخص عينًا فإن الذي يُمَلَّكُ هو المنفعة ويكون ذلك بالاستغلال أو الاستعمال. وإن نص في الوقف على أحد الأمرين، فلا ينتفع إلا بما نص عليه نظرًا لشرط الواقف لأنه كنص الشارع.

والفقهاء مختلفون في ملك المنفعة والانتفاع.

فالمالكية قالوا في الوقف إذا كان على سكنى الدار: "وإذا وقف وقفًا على أن يُسْكَنَ أو على السكنى، ولم يزد على ذلك، فظاهر اللفظ يقتضي أن الواقف إنما يُمَلِّكُ الموقوف عليه الانتفاع بالسكن دون المنفعة، فليس له أن يؤجره غيره، ولا يُسِكنَه" (٩) .

وإن كانت الصيغة محتملة لتمليك الانتفاع أو تمليك المنفعة بأن قال: "ينتفع بالعين الموقوفة بجميع أنواع الانتفاع، فهذا تصريح بتمليك المنفعة، أو يحصل من القرائن ما يقوم مقام هذا التصريح ... فإنا نقضي بمقتضى تلك القرائن ... " (١٠) .

وذهب الشافعي وأحمد إلى أن المنتفع يملك في الوقف – كما في الوصية – المنفعة لا حق الانتفاع إلا إذا نص على أن المراد حق الانتفاع، أو دلت القرائن على ذلك" (١١) .


(١) الاختيار لتعليل المختار: ٣/٥٦.
(٢) نهاية المحتاج: ٥/١١٨.
(٣) الأشباه والنظائر: ص ٣٢٦.
(٤) الأشباه والنظائر، لابن نجيم: ص ٣٥٣.
(٥) القواعد، لابن رجب: ص ٢١١.
(٦) القواعد، لابن رجب: ٥/١٣٠؛ والمغني: ٦/٣٦١؛ والأشباه والنظائر، لابن نجيم: ص ١٤٣.
(٧) جواهر الإكليل: ٢/١٤٥.
(٨) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: ٣/٤٣٣، ٤٣٤.
(٩) الفروق، للقرافي الفرق الثلاثون.
(١٠) الفروق، للقرافي الفرق الثلاثون.
(١١) مغني المحتاج، للإمام محمد الخطيب الشربيني على متن منهاج الطالبين، للإمام يحيى بن شرف النووي: ٢/٣٨٩، مطبعة الاستقامة ١٣٧٤ هـ - ١٩٥٥م بمصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>