للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذهب المالكية: إلى أن ما يستخرج من الأرض إذا كان له نفع عام كبير فهو ملك للدولة، وذهب الحنابلة إلى أن ما يستخرج من باطن الأرض فيه الزكاة، إذا كان مستخرجه ممن تلزمهم الزكاة وذهب الحنفية إلى أن في الركاز الخمس قياسًا على الغنيمة، ولا يعتبر البترول داخلًا في تعريف الركاز (١) .

يبدو من هذا أن الفقه الإسلامي وقف مواقف متطورة جدًّا من تنظيم الملكية العامة والخاصة قبل أن تتعرض إليها النظم الأخرى شرقية كانت أو غربية، وبهذا نرى أن التسعير من أهم الوسائل التي طبقها الفقه الإسلامي لتنظيم ربح التاجر المسلم، أو الذي يبيع في دار الإسلام.

٤- سلامة الربح من العيوب الشرعية:

يتميز الفقه الإسلامي أصولًا وفروعًا بسن كثير من القواعد التي يمكن أن يراقب عن طريقها ربح التاجر حتى يسلم من كل شائبة عملية، أو شرعية ليصل إلى صاحبه، وليست عليه فيه تبعة، أمام الله والناس.

فهناك رقابة اجتماعية تصاحب التاجر وهذه تشكل قاسمًا مشتركًا بين أبناء البشرية كلهم، إذ تراهم ناقمين على البائع الغشاش والكذاب والمدلس، والمتعاطي لجميع صنوف الخديعة، وإن مرد هذا إضافة إلى سجايا الإنسان هو أن الكتب السماوية استمرت في تحريم مثل هذه الرذائل، جاعلة منها جرائم يعاقب الله عليها الإنسان في آخرته.

ثم أتت القوانين الوضعية فحرمت هي بدورها القدر الفادح من تلك العيوب، وللاهتمام البالغ الذي خصها به الفقه الإسلامي فإننا سنقدم نماذج من أحكامه تجاهها فيما يلى:

بيع النجش:

بيع النجش وصورته أن يأتي شخص من غير المتبايعين، قبل إنهاء البيع يساوم بثمن أكثر من أجل أن يحمل الشاري على الزيادة في الثمن الحقيقي، ولم تكن نيته الحقيقية أن يشتري.

والدليل على حرمته الحديث الشريف، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التناجش، وذلك من حديث عمر وهو:" لا يَبِعْ أحدكم على بيع أخيه"، حتى يبتاع أو يذر وهي رواية البخاري.

وروى أحمد عن ابن عمر: ((لا يبع أحدكم على بيع أخيه ولا يخطب على خطبته إلا أن يأذن له)) ، قال النووي رحمه الله في المهذب ما نصه: "ويحرم أن يدخل على سوم أخيه وهو أن يجيء إلى رجل أنعم لغيره في سلعة بثمن فيزيده ليبيع منه أو يجيء إلى المشتري فيعرض عليه مثل السلعة، بدون ثمنها أو أجود منها بذلك الثمن، لما روي أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يخطب الرجل على خطبة أخيه)) الحديث لأن في ذلك إفسادًا وإنجاشًا. فلم يحل" (٢) .


(١) سعيد حوري في كتابه الإسلام: ص٤٢٦.
(٢) المجموع لشرح المهذب، للنووي: م١٣ ,ص١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>